أَمِيرا على سَرِيَّة أَو جَيش أَو فِي حَاجَة نَفسه أوصاهم بتقوى الله تَعَالَى وبمن مَعَه من الْمُسلمين خيرا ثمَّ يَقُول
اغزوا بِسم الله وَفِي سَبِيل الله قَاتلُوا من كفر بِاللَّه لَا تغلوا وَلَا تغدروا وَلَا تمثلوا وَلَا تقتلُوا وليدا
وَلَو شهروا السِّلَاح فِي الْبُنيان لَا فِي الصَّحرَاء لأخذ المَال فقد قيل إِنَّهُم لَيْسُوا محاربين بل هم بِمَنْزِلَة المختلس والمنتهب لِأَن الْمَطْلُوب يُدْرِكهُ الْغَوْث إِذا اسْتَغَاثَ بِالنَّاسِ
وَقَالَ أَكْثَرهم إِن حكمهم فِي الْبُنيان والصحراء وَاحِد وَهَذَا قَول مَالك فِي الْمَشْهُور عَنهُ وَالشَّافِعِيّ وَأكْثر أَصْحَاب أَحْمد وَبَعض أَصْحَاب أبي حنيفَة بل هم فِي الْبُنيان أَحَق بالعقوبة مِنْهُم فِي الصَّحرَاء لِأَن الْبُنيان مَحل الْأَمْن والطمأنينة وَلِأَنَّهُ مَحل تناصر النَّاس وتعاونهم فإقدامهم عَلَيْهِ يَقْتَضِي شدَّة الْمُحَاربَة والمغالبة وَلِأَنَّهُم يسلبون الرجل فِي دَاره جَمِيع مَاله وَالْمُسَافر لَا يكون مَعَه غَالِبا إِلَّا بعض مَاله وَهَذَا الصَّوَاب لَا سِيمَا هَؤُلَاءِ المحترفون الَّذين تسميهم الْعَامَّة فِي الشَّام ومصر المنسر وَكَانُوا يسمون بِبَغْدَاد العيارين
وَلَو حَاربُوا بِالْعِصِيِّ وَالْحِجَارَة والمقذوفة بِالْأَيْدِي أَو المقاليع وَنَحْوهَا فهم محاربون أَيْضا وَقد حُكيَ عَن بعض الْفُقَهَاء لَا محاربة إِلَّا بالمحدد وَحكى بَعضهم الْإِجْمَاع على أَن الْمُحَاربَة تكون بالمحدد والمثقل
وَسَوَاء كَانَ فِيهِ خلاف أَو لم يكن فَالصَّوَاب الَّذِي عَلَيْهِ جَمَاهِير الْمُسلمين أَن من قَاتل على أَخذ المَال بِأَيّ نوع كَانَ من أَنْوَاع الْقِتَال فَهُوَ محَارب قَاطع كَمَا أَن من قَاتل الْمُسلمين من الْكفَّار بِأَنِّي نوع كَانَ من أَنْوَاع الْقِتَال فَهُوَ حَرْبِيّ وَمن قَاتل الْكفَّار من الْمُسلمين بِسيف أَو رمح أَو سهم أَو حِجَارَة أَو عَصا فَهُوَ مُجَاهِد فِي سَبِيل الله
وَأما إِذا كَانَ يقتل النُّفُوس سرا لأخذ المَال مثل الَّذِي يجلس فِي خَان يكريه لأبناء السَّبِيل فَإِذا انْفَرد بِقوم مِنْهُم قَتلهمْ وَأخذ أَمْوَالهم أَو يَدْعُو إِلَى منزله من يستأجره لخياطة أَو طب أَو نَحْو ذَلِك فيقتله وَيَأْخُذ مَاله وَهَذَا يُسمى الْقَتْل غيلَة ويسميهم بعض الْعَامَّة المعرجين فَإِذا كَانَ المَال فَهَل هم كالمحاربين أَو يجْرِي عَلَيْهِم حكم الْقود فِيهِ قَولَانِ للفقهاء
أَحدهمَا أَنهم كالمحاربين لِأَن الْقَتْل بالحيلة كَالْقَتْلِ مُكَابَرَة كِلَاهُمَا لَا يُمكن الِاحْتِرَاز مِنْهُ بل قد يكون ضَرَر هَذَا أَشد لِأَنَّهُ لَا يدْرِي بِهِ
وَالثَّانِي أَن الْمُحَارب هُوَ المجاهر بِالْقِتَالِ وَأَن هَذَا المغتال يكون أمره إِلَى ولي الدَّم وَالْأول أشبه بأصول الشَّرِيعَة بل قد يكون هَذَا أَشد لِأَنَّهُ لَا يدْرِي بِهِ
2 / 38