وَأَصْحَاب هَذَا القَوْل الَّذِي هُوَ قَول الْجُمْهُور يَقُولُونَ من دخل هُوَ أَو أَبَوَاهُ أَو جده فِي دينهم بعد النّسخ والتبديل أقرّ بالجزية سَوَاء دخل فِي زَمَاننَا هَذَا أَو قبله وَأَصْحَاب القَوْل الآخر يَقُولُونَ مَتى علمنَا أَنه لم يدْخل إِلَّا بعد النّسخ والتبديل لم تقبل مِنْهُ الْجِزْيَة كَمَا يَقُوله بعض أَصْحَاب أَحْمد مَعَ أَصْحَاب الشَّافِعِي وَالصَّوَاب قَول الْجُمْهُور وَالدَّلِيل عَلَيْهِ من وُجُوه
أَحدهَا أَنه قد ثَبت أَنه كَانَ من أَوْلَاد الْأَنْصَار جمَاعَة تهودوا قبل مبعث النَّبِي ﷺ بِقَلِيل كَمَا قَالَ ابْن عَبَّاس أَن الْمَرْأَة كَانَت مقلاتا والمقلات الَّتِي لَا يعِيش لَهَا ولد كَثِيرَة القلت والقلت الْمَوْت والهلاك كَمَا ياقل امْرَأَة مذكار ميناث إِذا كَانَت كَثِيرَة الْولادَة للذكور وَالْإِنَاث والسما الْكَثِيرَة الْمَوْت قَالَ ابْن عَبَّاس فَكَانَت الْمَرْأَة تنذر إِن عَاشَ لَهَا ولدان تجْعَل أَحدهمَا يَهُودِيّا لكَون الْيَهُود كَانُوا أهل علم وَكتاب وَالْعرب كَانُوا أهل شرك وأوثان فَلَمَّا بعث الله مُحَمَّدًا كَانَ جمَاعَة من أَوْلَاد الْأَنْصَار تهودوا فَطلب آباؤهم أَن يكرهوهم على الْإِسْلَام فَأنْزل الله تَعَالَى ﴿لَا إِكْرَاه فِي الدّين قد تبين الرشد من الغي﴾ الْآيَة
فقد ثَبت أَن هَؤُلَاءِ كَانَ آباؤهم موجودين تهودوا وَمَعْلُوم أَن هَذَا دُخُول بِأَنْفسِهِم فِي الْيَهُودِيَّة قبل الْإِسْلَام وَبعد مبعث الْمَسِيح صلوَات الله عَلَيْهِ وَهَذَا بعد النّسخ والتبديل وَمَعَ هَذَا نهى الله ﷿ عَن إِكْرَاه هَؤُلَاءِ الَّذين تهودوا بعد النّسخ والتبديل على الْإِسْلَام وأقرهم بالجزية وَهَذَا صَرِيح فِي جَوَاز عقد الذِّمَّة لمن دخل بِنَفسِهِ فِي دين أهل الْكتاب بعد النّسخ والتبديل فَعلم أَن هَذَا القَوْل هُوَ الصَّوَاب دون الآخر
وَمَتى ثَبت أَنه يعْقد لَهُ الذِّمَّة ثَبت أَن الْعبْرَة بِنَفسِهِ لَا بنسبه وَأَنه تُبَاح ذَبِيحَته وَطَعَامه بِاتِّفَاق الْمُسلمين فَإِن الْمَانِع لذَلِك لم يمنعهُ إِلَّا بِنَاء على أَن هَذَا الصِّنْف لَيْسُوا من أهل الْكتاب فَلَا يدْخلُونَ فَإِذا ثَبت بِنَصّ السّنة أَنهم من أهل الْكتاب دخلُوا فِي الْخطاب بِلَا نزاع
الْوَجْه الثَّانِي أَن جمَاعَة من الْيَهُود الَّذين كَانُوا بِالْمَدِينَةِ وحولها كَانُوا عربا ودخلوا فِي دين الْيَهُود وَمَعَ هَذَا فَلم يفصل النَّبِي ﷺ فِي أكل طعامهم وَحل نِسَائِهِم وإقرارهم بِالذِّمةِ بَين من دخل أَبَوَاهُ بعد مبعث عِيسَى ﵇ وَمن دخل قبل ذَلِك وَلَا بَين الْمَشْكُوك فِي نَفسه بل حكم فِي الْجَمِيع حكما وَاحِدًا عَاما فَعلم أَن التَّفْرِيق بَين طَائِفَة وَطَائِفَة وَجعل طَائِفَة لَا تقر بالجزية وَطَائِفَة تقر وَلَا تُؤْكَل ذَبَائِحهم وَطَائِفَة يقرونَ وتؤكل ذَبَائِحهم تَفْرِيق لَيْسَ لَهُ أصل فِي سنة رَسُول الله ﷺ الثَّابِتَة عَنهُ
وَقد علم من النَّقْل الصَّحِيح المستفيض أَن أهل الْمَدِينَة كَانَ فيهم يهود كثير من الْعَرَب وَغَيرهم من بني كنَانَة وحمير وَغَيرهمَا من الْعَرَب وَلِهَذَا قَالَ النَّبِي ﷺ لِمعَاذ لما بَعثه إِلَى الْيمن
2 / 20