وَقَوله تَعَالَى ﴿وَمَا بكم من نعْمَة فَمن الله﴾ وَقَوله تَعَالَى ﴿مَا أَصَابَك من حَسَنَة فَمن الله وَمَا أَصَابَك من سَيِّئَة فَمن نَفسك﴾
وَقَالَ تَعَالَى ﴿لم يكن الَّذين كفرُوا من أهل الْكتاب وَالْمُشْرِكين منفكين حَتَّى تأتيهم الْبَيِّنَة رَسُول من الله يَتْلُو صحفا مطهرة فِيهَا كتب قيمَة﴾ فَهَذِهِ الْأَشْيَاء كلهَا من الله وَهِي مخلوقة وأبلغ من ذَلِك روح الله الَّتِي أرسلها إِلَى مَرْيَم وَهِي مخلوقة
فالمسيح الَّذِي هُوَ روح من تِلْكَ الرّوح أولى أَن يكون مخلوقا قَالَ تَعَالَى ﴿فَأَرْسَلنَا إِلَيْهَا رُوحنَا فتمثل لَهَا بشرا سويا قَالَت إِنِّي أعوذ بالرحمن مِنْك إِن كنت تقيا قَالَ إِنَّمَا أَنا رَسُول رَبك لأهب لَك غُلَاما زكيا﴾
وَقد قَالَ تَعَالَى ﴿وَمَرْيَم ابْنة عمرَان الَّتِي أحصنت فرجهَا فنفخنا فِيهِ من رُوحنَا﴾ وَقَالَ ﴿وَالَّتِي أحصنت فرجهَا فنفخنا فِيهَا من رُوحنَا وجعلناها وَابْنهَا آيَة للْعَالمين﴾ فَأخْبر أَنه نفخ فِي مَرْيَم من روحه كَمَا أخبر أَنه نفخ فِي آدم من روحه وَقد بَين أَنه أرسل إِلَيْهَا روحه
﴿فتمثل لَهَا بشرا سويا قَالَت إِنِّي أعوذ بالرحمن مِنْك إِن كنت تقيا قَالَ إِنَّمَا أَنا رَسُول رَبك لأهب لَك غُلَاما زكيا قَالَت أَنى يكون لي غُلَام وَلم يمسسني بشر وَلم أك بغيا قَالَ كَذَلِك قَالَ رَبك هُوَ عَليّ هَين ولنجعله آيَة للنَّاس وَرَحْمَة منا وَكَانَ أمرا مقضيا فَحَملته﴾
فَهَذَا الرّوح الَّذِي أرْسلهُ الله إِلَيْهَا ليهب لَهَا غُلَاما زكيا مَخْلُوق وَهُوَ روح الْقُدس الَّذِي خلق الْمَسِيح مِنْهُ وَمن مَرْيَم فَإِذا كَانَ الأَصْل مخلوقا فَكيف الْفَرْع الَّذِي حصل بِهِ وَهُوَ روح الْقُدس وَقَوله عَن الْمَسِيح ﴿وروح مِنْهُ﴾ خص الْمَسِيح بذلك لِأَنَّهُ نفخ فِي أمه من الرّوح فحبلت بِهِ من ذَلِك النفخ وَذَلِكَ غير روحه الَّتِي يُشَارِكهُ فِيهَا سَائِر الْبشر فامتاز بِأَنَّهَا حبلت
1 / 327