يميز توما الأكويني بين فهم القانون الأخلاقي والضمير، ملاحظا أنهما كثيرا ما يخلط بينهما. وهو يصف فهم القانون الأخلاقي بأنه ملكة غريزية أو عادة فطرية تقنعنا بالخير وتقصينا عن الشر، وهو يتجسد في الأشياء «المعروفة بطبيعة الحال دون أي بحث من جانب العقل كما لو كانت مشتقة من مبدأ راسخ». والضمير لا يعلم الأمور أو يدركها فحسب، لكنه يتعلق بالتطبيق، وتحديدا تطبيق المعرفة على حالة محددة. ويستمر توما الأكويني، واصفا الضمير بصفات مألوفة مثل كونه قوة محفزة، وموضحا أنه يشرع في العمل في تقييم الخيارات والأفعال الشخصية: «يقال إن الضمير يشهد على صاحبه أو يلزمه أو يحثه، وهو أيضا يتهمه أو يعذبه أو يوبخه، وكل ذلك يتبع تطبيق المعرفة على ما نقوم به.» ولست مهتما الآن برأي توما الأكويني الخلافي القائل إن فهم القانون الأخلاقي أمر فطري (وهو ما أشك فيه شخصيا)، لكنني أكثر اهتماما بوصفه للضمير بأنه يتعلق بتطبيق المبادئ المعروفة على المواقف الواقعية. فمن وجهة نظره يرتبط الضمير ارتباطا وثيقا بالأفعال التي يقوم بها المرء، بل إنه قد يوصف بأنه نائم حتى يطلب منه تقييم الخيارات أو الأفعال التي يعتزم المرء القيام بها أو التي قام بها بالفعل. وهكذا يستدعى الضمير في المواقف الفعلية عند وجوب اتخاذ القرارات، ويخصص له دور شديد الأهمية في جوهر الخيار المستنير بالمبادئ الأخلاقية.
وهكذا فإن الضمير يقوم بدور جسر مهم بين الاعتقاد والفعل. افترض أن أحدنا لديه رأي صائب، وربما تظن أنت أن رأيك وحي إلهي، بينما أنا كونت رأيي على الأرجح من مقاطع «دونزبيري» الهزلية أو من الإذاعة العامة الوطنية أو من مجلة «لندن ريفيو أوف بوكس». لكن مسألة أصل الرأي تلك أقل أهمية من الفعل، ومما إذا كنت أنت أو أنا سنحول رأينا إلى فعل، وتلك هي مهمة الضمير: الإقناع والتأثير على الرأي والتهديد إذا لزم الأمر، لكن في كل الأحوال التأكد من القيام بالفعل الصحيح. فالنوايا الحسنة، إذا ما احتفظ بها بسلبية في العقل، فلن تفضي إلى استجابة نابعة تماما - أو كما ينبغي - من الضمير.
ويتناول مؤلف كتاب صدر حديثا حول موضوع «الحقوق» مجموعة من الانتقادات القوية، منها نسبية الضمير الثقافية المزعومة ومحاباته المهيمنة للغرب وصعوبة إصدار الأحكام النابعة من التعارض في الادعاءات المبنية على الحقوق. لكنه (بنبرة متحيرة قليلا) يعترف «بأن لديه اعتقادا بأننا بحاجة إلى القليل من حقوق الإنسان الآن ». ونفس الشيء ينطبق على الضمير، فهو مفهوم مطاطي، وهو لا يتمتع بمجموعة فريدة من المبادئ أو بمحتوى ثابت خاص به وحده. فمطالبات الضمير الخاصة بمن نختلف معهم قد تكون بالنسبة لنا ضارة أو حتى هدامة. ومع ذلك، فنحن جميعا في حاجة إلى بعضها. ولا أعلم أي شخص يرغب في الحصول على قدر أقل منها سواء لنفسه أو لغيره. وبالطبع فإن الشخص الذي يصيبه جنون مؤقت قد يرتكب عملا وحشيا باسم الضمير، وتلك الانحرافات لا يمكن تجنبها تماما. لكن إذا اعتبرنا الضمير هو مبدأ الاستياء الذي يحث على العمل بناء على أساس من الاعتقاد، والذي لن يسمح لنا بالراحة حتى تتم مهمته، فعلينا أن نسلم بضرورة وجود المزيد منه في العالم.
أقوال توما الأكويني حول الضمير بوصفه «معرفة تطبيقية»
يدل الضمير طبقا لطبيعة الكلمة ذاتها على علاقة المعرفة بشيء ما: نظرا لأن كلمة ضمير أو
conscience
بالإنجليزية يمكن تحليلها إلى
cum alio scientia ؛ أو تطبيق المعرفة على حالة فردية ...
ويتضح نفس الشيء من الأمور التي تنسب للضمير، حيث يقال إن الضمير يشهد على صاحبه أو يلزمه أو يحثه، وهو أيضا يتهمه أو يعذبه أو يوبخه. وكل ذلك يتبع تطبيق المعرفة أو العلم على ما نقوم به، وهو التطبيق الذي يتم بثلاث طرق: أحدها بقدر ما ندرك أننا قد قمنا بشيء أو لم نقم به؛ «ضميرك يعلم أنك كثيرا ما تحدثت بالسوء عن الآخرين.» (سفر الجامعة، الإصحاح السابع، الآية 23)، وطبقا لذلك يقال إن الضمير يشهد. وبطريقة أخرى، بقدر ما نحكم من خلال الضمير أن أمرا ما يجب أن يتم أو يجب ألا يتم، هكذا يقال إن الضمير يحث الإنسان أو يلزمه بأن يفعل شيئا ما. أما الطريقة الثالثة، فبقدر ما نحكم من خلال الضمير أن أمرا ما قد أنجز جيدا أو على نحو سيئ، هكذا يقال إن الضمير يبرر لصاحبه أو يتهمه أو يعذبه. والآن يتضح أن كل تلك الأمور تتبع التطبيق الفعلي للمعرفة على أفعالنا. («الخلاصة اللاهوتية»، الجزء الأول، المسألة 79، المادة 13)
هوامش
অজানা পৃষ্ঠা