রক্ত ও ন্যায়বিচার

সিআবদ রহমান মাজদি d. 1450 AH
52

রক্ত ও ন্যায়বিচার

الدم والعدالة: قصة الطبيب الباريسي الذي سطر تاريخ نقل الدم في القرن السابع عشر

জনগুলি

أما وراء البحر، في فرنسا، فسرعان ما تبنى ديكارت فكرة هارفي القائلة إن الدم يجري في شبكة من الأنابيب ضمن نظرته الميكانيكية للحياة. ورغم ذلك تمسك ديكارت ببعض النظريات القديمة، حيث إنه ظل مؤمنا بأن تمدد القلب كان نتيجة فوران الدم بداخله. وبما أن دوني كان متبعا للمدرسة الديكارتية، فإن كل الأسباب تدفعنا للاعتقاد بأنه كان يتبنى أيضا هذا التصور للجهاز الدوري.

فكر هارفي كثيرا في تلك النقطة ثم أجرى تجربة؛ إذ أخذ عينتين متساويتين من الدم إحداهما من شريان والأخرى من وريد، ووضعهما في إناءين متماثلين وراقب ما سيحدث، فتكونت جلطات في كلتا الحالتين، وخلال دقائق معدودة تحول سطح العينتين إلى اللون نفسه. لكن الأهم بالنسبة إلى هارفي هو أن دم الشريان ودم الوريد كليهما ظلا في الحجم نفسه. فلم ينكمش حجم الدم الشرياني بعد انخفاض حرارته. فإذا كان الضغط في الشرايين عاليا، أو أن الدم الشرياني يجري في الأوعية الدموية لأن حرارة القلب دفعته للفوران، فإنه يجب أن ينكمش مع انخفاض حرارته. على كل حال، كانت رغوة اللبن المغلي تختفي عند إبعاده عن الموقد. وبما أن مثل هذا التغير لم يحدث، استنتج هارفي أن الفوران لم يكن إلا من نسج خيال الناس. لم يعرف رأي دوني في هذه التجربة، أو ما إذا اهتم بها من الأساس. فعندما نظر إلى الجهاز الدوري، كان أكثر حماسا لفهم ما يمكن فعله به أكبر من حماسه لاكتشاف آلية عمله.

وحاول آخرون - مثل يوهانس فاليوس عالم التشريح الهولندي - تجربة طرق أخرى لدمج فكرة الدورة الدموية في التصور السائد أن القلب يسخن الدم. وتوصل فاليوس إلى أن الدم يدور ليظل في حالة سليمة؛ حيث يدخل الدم الوريدي القاتم إلى الشق الأيمن من القلب، ويندفع الدم الشرياني الأحمر القاني خارجا من الشق الأيسر. كان التفسير بسيطا في رأي فاليوس؛ فقد كان الدم يسخن في القلب ثم «يكثف» حين يزداد تركيزه في باقي أجزاء الجسم. لأنه - كما قال - ليس في الجسم ما هو أشد حرارة من القلب، وما هو أبرد من سطحه الخارجي. وفتح هذا الباب - حسبما كان يرى - أمام احتمالية مرور الدم بعملية تنقية بالطريقة التي ينقي بها الكيميائيون السوائل نفسها، من خلال غليها عدة مرات وتكثيف الأبخرة الناتجة.

اكتمال الدائرة

أشار المتشككون في أفكار هارفي إلى ثغرتين في نظريته؛ أولا: لم يكن يوجد أي دليل على وجود ما يربط بين الشرايين والأوردة. ثانيا: لم يكن هناك ما يوضح ما الذي يدفع الدم إلى القلب مرة أخرى من الأطراف. وكما قال الطبيب كاسبار هوفمان من نوريمبرج بألمانيا: كيف فسر هارفي الطريقة التي يعبر بها الدم من الشرايين إلى الأوردة؟ وحتى إذا كانت هناك ممرات غير مرئية، فكيف فسر هارفي الحركة - ما هي القوة المحركة؟

ولم يمض على وفاة هارفي (في عام 1661) أربعة أعوام حتى اكتشف عالم الفسيولوجيا الإيطالي مارتشيلو مالبيجي الحلقة المفقودة، رغم أن الأمر استغرق عدة عقود بعدها ليكتشف الناس أن ضغط العضلات على الأوردة هو ما يدفع الدم للعودة إلى القلب مرة أخرى. راح مالبيجي - الذي ولد في العام ذاته الذي نشر فيه هارفي كتابه «حركة القلب» - يدرس الفلسفة الأرسطية في جامعة بولونيا. لم تكن حياة مالبيجي مستقرة: إذ توفي كل من والده ووالدته وجدته لأبيه وهو في سنوات دراسته، فاضطر من ثم إلى ترك الجامعة لعدة سنوات كي يرعى أخواته الثلاث الصغيرات وينظم شئون الأسرة المالية. وبعد عامين عاد للاجتهاد، حيث جمع في النهاية بين اشتغاله بالطب واهتمامه بالعلوم.

أثارت مساعي مالبيجي العلمية الجدل؛ فقد بدأ يشكك في جالينوس، وهو ما فوت عليه عدة فرص للترقي، رغم أن عمله حظي بالتقدير، وأصبح صديقا شخصيا للبابا. كرس مالبيجي كثيرا من عمله لاستخدام أول المجاهر التي عرفها العالم ورسم ما يراه. وفي عام 1661، نشر أول كتبه الذي كشف - من بين أشياء أخرى - عن ملاحظته لشبكة من الأوعية الدقيقة في رئتي الضفدع. وبعد أن سماها الشعيرات الدموية، اعتبر - وكان على صواب - أنها قد تكون الحلقة المفقودة في دورة هارفي، أي الأنابيب التي تربط الشرايين بالأوردة. ودحض هذا الاكتشاف في الأوساط العلمية فكرة تحول الدم إلى لحم عند أطراف الأوردة. مع ذلك، استغرق الأمر عشرات السنين قبل أن ينتشر العلم والتسليم باندثار فكرة جالينوس في الأوساط الطبية، بل استغرق الأمر وقتا أطول قبل أن يحظى باهتمام العامة بوجه عام.

جلب اكتشاف مالبيجي ما يشبه الجنسية الإنجليزية إليه. فقد كان العلماء في إنجلترا شديدي الحرص على إنجازاتهم وأسباب شهرتهم، وكان أهمها دليل هارفي القاطع على صحة نظرية الدورة الدموية؛ لذا كانوا حريصين على أن يكون أي عمل يضيف إلى اكتشاف هارفي على الأرض الإنجليزية. فلم يكن من المثير للدهشة - بحلول عام 1667 - أن يبدأ هنري أولدنبرج أمين عام كبرى المؤسسات البحثية في إنجلترا - الجمعية الملكية - في التواصل كتابيا مع مالبيجي نيابة عن الرابطة؛ إذ كان من الواضح أن مالبيجي عالم، ومن ثم فإن اكتشافه للشعيرات الدموية لن يكون إسهامه الوحيد على الأرجح في مجال العلوم والطب؛ لذا كانت الطريقة المثلى أمام إنجلترا لإدخال عمله البحثي ضمن مجتمعها العلمي هي دعوته ليصبح زميلا في الجمعية الملكية. فوافق وأضاف اسمه إلى القائمة المتنامية كأبرز الوجوه العلمية في عام 1669.

وبذلك اكتشفت آخر قطعة في أحجية الدورة الدموية، على الرغم من ذلك لم يكن أحد يعرف الوظيفة الفعلية للدم. لكن تلك الاكتشافات كانت كافية لتدفع كثيرين في أنحاء أوروبا إلى شحذ عقولهم؛ والسعي لمعرفة وظيفة الجهاز الدوري. وعندما تناول دوني هذه القضية لم يكن مهتما بالجانب الفسيولوجي من ورائها بقدر ما كان مهتما بمعرفة كيف يمكن لهذه المعلومات الجديدة أن تؤثر في ممارسة الطب.

الفصل الثالث

অজানা পৃষ্ঠা