قلنا : إن العدم ليس بمعنى موجود ، وليس مما له إنية (1) ولا حدود ، وإنما مطلبنا فيما قلنا ، للخلاف بين ما قد عقلنا ، من ذوات الإنية الموجودة الثابتة بالحس ، أو الشهادة الباتة من درك النفس ، أو ما يدرك خلافا لهما جميعا ، فيوجد أثر تدبيره بينا (2) فيهما معا.
فأما ما ليس بذي أيس ، (3) ولا يدرك درك محسوس ، ولا يعرف بفرع ولا سوس (4)، ولا يبين عن نفسه بأثر من تدبير ، ولا يستدل على وجوده بدليل منير فليس فيه لنا مطلب ، ولا لنا إليه بحمد الله مذهب ، وإنما قولنا في العدم ، إنه خلاف في الوهم ، لا في حقيقة للعدم موجودة ، ولا عين منه قائمة ولا محدودة ، وإنما (5) يطلب خلاف الأشياء كلها في حقائق الأعيان ، بما يدرك في العقل والعلم من الاختلاف ببت الايقان ، وكذلك وجدنا الاختلاف الصحيح اليقين يكون ، بين ما يحس أو يعقل من الأشياء التي لها كون ، فأما العدم الذي هو ليس (6)، والذي لم يتوهم له قط أيس ، فليس في بعده من أن يقال : مختلف بحقيقة أو مؤتلف وهم ، وليس لأحد علينا والحمد لله في اختلاف منه ولا ائتلاف متكلم ، هو غير ذي شك عدم الأعدام ، ولا (7) يرتفع عنه إلا بعبارة المنطق (8) نطق الكلام.
পৃষ্ঠা ২০২