وما إن استقر المقام بمحمد وآمال وسوسن في القاهرة، حتى أخذ محمد يبحث عن طلبتين؛ الطلبة الأولى رفقة يشاركونه في اللعب، والطلبة الثانية شقة تصلح عيادة له. وقد حقق له مجدي الطلبتين كلتيهما. فإن يكن مجدي غير هاو للعب القمار، إلا أنه يجلس مع اللاعبين كل ليلة في نادي القاهرة، قانعا بالمشاهدة عن الاشتراك في اللعب، وسرعان ما انضم محمد إلى هؤلاء اللاعبين، واثقا أن ليس بينهم نصاب يغش في اللعب.
كما استطاع مجدي بما له من صلات ممتدة في القاهرة أن يعثر لمحمد على شقة مناسبة في ميدان الأزهار لتكون عيادة له.
أما آمال فإنها قبل أن يستقر بها المقام في القاهرة، كلمت صديقتها ناهد، وما أسرع ما تم بينهما اللقاء. - أخيرا يا آمال. أخيرا عدت إلى مصر. - أنت لا تعرفين كم كنت أشتاق إلى مصر وإليك. - حدثيني عن أيامك في الزقازيق. - أيام سوداء. لا أراك الله مثلها. - سأعوضك عنها أياما بيضاء مشرقة. - أحتاج إلى سنين طويلة؛ لأعوض ما شفته من عذاب. - هل كان لك أصدقاء في الزقازيق؟ - زوجات الموظفين. - أنا أقصد أصدقاء لا صديقات. - اسكتي. - وراء اسكتي حكاية.
وقصت آمال قصتها مع صديقها الوحيد عزت، وما فعله معها الحاج والي، وحين انتهت قالت ناهد: عبيطة. - وماذا كنت أفعل؟ - لماذا يكون هذا في بيتك؟ - وأين يمكن أن يكون؟ - أنت عبيطة. - هل لك أصدقاء؟ - عدد شعر رأسي. - وزوجك؟ - يسهر في الخارج، وأسهر في الخارج. ألا يسهر زوجك؟ - يسهر. - سأعوضك عن أيام الزقازيق. - سنرى.
الفصل الخامس والثلاثون
ذهب محمد إلى نادي القاهرة في الساعة التاسعة، وكان مجدي هناك، وتناولا العشاء معا، وقاما ينتظران اللاعبين في حجرة اللعب، وجاء أحد اللاعبين وقال لمحمد: يظهر أنه لا يمكن عمل برتيتة الليلة. - لماذا؟ - يسري وحمدي سافرا يعزيان زميلا لهما في المنصورة.
قال مجدي لمحمد: تأخذ إجازة ليلة.
وقال محمد في ضيق: وماذا نفعل؟
وقال مجدي فجأة: عندي فكرة، ألا تحب أن ترى بعض الذكريات؟ - الحقيقة يا مجدي أن لا شيء عندي يسليني مثل اللعب. - بل عندي أنا ما يسليك أكثر من اللعب. - يا شيخ! - اسمع كلامي. - ماذا؟ - أتعرف عزيزة؟ - الله يرحم أيامها. - إنها الآن في عزها. - ماذا؟! - لها بيت تجتمع فيه السيدات من الطبقة الراقية ليلتقين بآخرين، الليلة هناك ليلة من ألف ليلة؛ مرح وضحك وسرور، لو ذهبت مرة نسيت القمار إلى الأبد. - يا عم أنا متزوج، وليس لي في النسوان. - وأنا أيضا متزوج. إننا سنجلس فقط نضحك ونلهو ثم نروح. - وماذا تستفيد منا إذا كنا لن ندفع شيئا؟ - ليس من الضروري أن يدفع جميع من يذهب إليها؛ فإن القلة التي تدفع تعوضها عن جميع الآخرين. هيه ماذا قلت؟ - ما ترى .
وفي غير حماسة رافق محمد صديقه مجدي إلى بيت عزيزة، وكانت الساعة قد جاوزت العاشرة بقليل حين دق مجدي جرس البيت، وفتح الباب عن ضجيج صاخب، ودخل مجدي وهو يجر محمد جرا.
অজানা পৃষ্ঠা