وظل سائرا يتهدى به شارع إلى حارة، أو حارة إلى زقاق، حتى انتهى به المطاف إلى أصوات عالية أوضح ما فيها أيمان مغلظة، تتراوح بين أيمان الطلاق والقسم بالله ثلاثا، وراح يقترب من الأصوات، لأن طريقه يحتم عليه أن يقترب منها، حتى أصبح في مركز الدوامة من الصراخ المرتفع. - وأنت من أدراك بكلام الله؟ يا رجل دع العلم لأهله، أنا لم أرك في يوم من الأيام تلبس العمامة، إلا إذا كان ذلك قبل أن أعرفك، أي قبل أن تولد. - يا رجل! يا رجل اتق الله! زوجتي طالق يا شيخ إن لم تكن هذه الآية من كلام الله. - تعني أنها من القرآن؟ - في القرآن. - زوجتي طالق ثلاثا إن كانت في القرآن أو كانت تعرفه أو شافته. الرجلان على جانبي الطريق؛ أحدهما على باب دكان حوله رهط من الأصدقاء، والآخر على المقهى في الجهة المقابلة يحيط به هو الآخر رهط من المعجبين، وكلا الرجلين يريد أن يكون ذا علم. وحسين يمر بينهما وتختطف أذنه هذا النقاش فيسير طريقه واثقا أن الجماعة ستنشغل بنقاشها عن قفطانه وعمامته. ويعبر حسين المقهى والدكان ويوشك أن يبتعد، ولكن الصراخ ينقطع بشكل مفاجئ فلا يسمع حسين إلا كلمة واحدة. - نسأله.
ويعقبها صوت يصبح أصواتا: يا أستاذ.
ويمضي حسين سبيله، ولكن الأصوات تتعالى: يا سيدنا، يا سي الشيخ.
ويقف حسين ويلتفت وفي عينيه سؤال يريد أن يتأكد به أنه هو المقصود. وتتعالى الأصوات مرة أخرى: نعم أنت. تسمح لحظة.
ويتجه حسين إلى الجمع. ويبادره الرجل الجالس إلى المقهى: نريدك في سؤال.
ويفرح حسين؛ فقد واتته الفرصة مبكرة أن يصبح أهل إفتاء فيجلس القرفصاء معتمدا قدميه دون أن يلامس جسمه الأرض، موليا وجهه إلى أهل المقهى وظهره إلى أهل الدكان. وقال وقد تمكن من جلسته: نعم. - هل في القرآن: وإذا الصحف تطايرت وانتشرت؟
ويقول حسين في وقار وثقة: لا، إنما يقول سبحانه وتعالى في كتابه العزيز:
وإذا الصحف نشرت * وإذا السماء ...
ولا يكمل الآية، وإنما هي ركلة عنيفة في ظهره ترفعه إلى أعلى قليلا ثم تهوي به على الأرض منكفيا على وجهه، عمامته نافرة عن رأسه، وصوت يطن في أذنه: ألم يبق إلا العيال نسألهم في كلام الله؟ وأنت ماذا تفهم في كلام الله يا ابن ... يا ضائع. قم ... قم خيبة الله عليك وعلى أبيك.
ويغرق الجانبان في الضحك لمنظر حسين وعمامته، ويقفز حسين إلى عمامته حيث هي، وينفجر باكيا وينتهز مكانا خاليا وينفلت منه، وقد علا بكاؤه. تملأ نفسه الحسرة ويروح ويعدو، وقد أحست نفسه الظلم مريرا حانقا، يزيده الرعب مرارة وحنقا، لا يجد متنفسا منه إلا الدموع والنشيج.
অজানা পৃষ্ঠা