خبره «الكتاب»، وهو صفته والخبر (لا ريب فيه) أي لا شك في «1» أنه من عند الله، وهو خبر في معنى النهي «2»، أي لا ترتابوا أو لا شك عند أهل العقل والإيمان به، والشك: هو التردد بين النقيضين لا ترجيح لأحدهما على الآخر عند الشاك، لم يقدم الظرف على الريب لئلا يذهب الفهم إلى أن كتابا آخر فيه الريب لا فيه.
قوله (هدى) خبر مبتدأ محذوف، أي هو هدي، أي رشد وبيان، والمراد ما يهتدى به أو متبدأ خبره محذوف، أي فيه هدى أو حال من «الكتاب»، والعامل فيها ما في اسم الإشارة من معنى الفعل، يعني أشير أو أنبه إليه هاديا (للمتقين) [2] أي للضالين الصائرين إلى التقي بعد الضلال، فاختصر الكلام اعتبارا للتسمية بما يؤول إليه، ولو قال للضالين لدخل فيهم الفريق الباقون على الضلالة وهم المطبوع على قلوبهم، وليس الكتاب هدى لهم، وقيل: خص المتقون بالذكر لأنهم هم المنتفعون بالهدى «3»، والتقوى: صيانة النفس عما تستحق به العقوبة من فعل أو ترك، قيل: لا يدخل في التقوى اجتناب الصغائر إذا تاب عن الكبائر، لأنها مكفرة عن مجتنب الكبائر «4»، وقيل يدخل فيه لقوله عليه السلام: «لا يبلغ العبد درجة المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذرا مما به بأس» «5».
[سورة البقرة (2): آية 3]
الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون (3)
ثم وصف المتقين على طريق الكشف والبيان بقوله (الذين يؤمنون بالغيب) أي يصدقون في حال الغيبة بخبر البعث والجنة والنار وغير ذلك من أخبار النبي عليه السلام، فيكون «الغيب» مصدرا، والباء متعلقا بمحذوف، محله نصب على الحال، أي يؤمنون ملتبسين بالخفاء والغيبة كالتباسهم بالحضور لا كالمنافقين، وقيل: الغيب فيعل «6»، خفف كالميت، وهو الخفي عن العيون، لا يعلمه ابتداء إلا اللطيف الخبير، وقيل: الغيب بمعنى الغائب «7»، والباء صلة الإيمان، وهو الله أو القرآن، يعني يقرون بأن الله إله واحد لا شريك له أو بأن القرآن حق نازل من عند الله، والإيمان التصديق بالقلب لغة، وفي الشرع هو الاعتقاد بالقلب والإقرار باللسان على ما هو الحق، والتصديق بالعمل وهو المنقول من السلف، والإسلام هو الخضوع والانقياد بما أخبره الرسول صلى الله عليه وسلم، فكل إيمان إسلام دون العكس، قيل: من شهد وعمل ولم يعتقد فهو منافق، ومن شهد ولم يعمل واعتقد فهو فاسق، ومن أخل بالشهادة فهو كافر «8».
(ويقيمون الصلاة) أي يؤتونها «9» بحقوقها، من أقام الأمر إذا أتي به مع إعطاء حقوقه، والصلوة بمعنى الدعاء لغة، وفي الشرع: أفعال مخصوصة كالطهارة وستر العورة واستقبال القبلة ورعاية الوقت، وأركان معلومة كتكبيرة الافتتاح والقيام والقراءة والركوع والسجود والقعدة الأخيرة «10» وغير ذلك مع «11» النية، والمراد الصلوات الخمس أو أعم منها، قيل: إن العبد إذا صلى صلوة تقبل منه خلق الله منها ملكا يقوم ويصلي لله تعالى إلى يوم القيامة وثوابه لصاحب الصلوة «12»، والمراد من إقامتها تعديل أركانها وحفظها من أن يقع زيغ في فرائضها وسننها وآدابها.
(ومما رزقناهم) أي مما أعطيناهم من الرزق، وهو اسم ما ينتفع به ذو حيوة من الخلق، وإسناده إلى نفسه تعالى إيذان بأن يكون حلالا صرفا، وأدخل فيه «من» للتبعيض دفعا للإسراف والتبذير المنهي عنهما
পৃষ্ঠা ২৮