(فلهم) الجملة وجمعه نظرا إلى معنى «من»، والفاء للسببية، أي لهم (أجرهم) وهو ثواب أعمالهم الصالحة الذي يستحقونه (عند ربهم) وجملة «من آمن» في محل الرفع خبر «إن»، والعائد محذوف، أي من آمن منهم وأخلص فله الجنة (ولا خوف عليهم) من العذاب المستقبل (ولا هم يحزنون) [62] مما خلفوا من أمر الدنيا.
[سورة البقرة (2): آية 63]
وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة واذكروا ما فيه لعلكم تتقون (63)
(وإذ أخذنا) أي اذكروا وقت أخذنا (ميثاقكم) أي عهدكم الموثق بالعمل بما في التورية، فلم تعملوا بما فيها من الفرائض والتكاليف الشاقة (ورفعنا فوقكم الطور) أي الجبل بالسريانية وقلنا لكم «1» (خذوا ما آتيناكم) أي الذي أعطيناكم للعمل به (بقوة) أي بجد ومواظبة (واذكروا) أي ادرسوا واعملوا (ما فيه) من الثواب والعقاب (لعلكم تتقون) [63] أي تخافون من الله فيسهل عليكم القبول والعمل وتنجون من هلاك الدارين، قيل: لما نزلت التورية على بني إسرائيل شق عليهم ما فيها من الفرائض، لأنه نزل دفعة واحدة، فلم يقبلوه، فأمر الله الملائكة فقلعوا جبلا على قدر عسكرهم وقالوا لهم: إن قبلتم وإلا أهلكناكم بالجبل فقبلوا وسجدوا على أنصاف وجوههم وهم ينظرون إلى الجبل في سجودهم، فمن ذلك سجد بعض اليهود على أنصاف وجوههم، وقالوا بهذا السجود رفع عنا العذاب «2».
[سورة البقرة (2): آية 64]
ثم توليتم من بعد ذلك فلو لا فضل الله عليكم ورحمته لكنتم من الخاسرين (64)
(ثم توليتم) أي أعرضتم عن الإيمان والطاعة (من بعد ذلك) أي بعد أخذ الميثاق وقبول التوبة أو من بعد رفع الطور عنكم (فلو لا فضل الله) أي منه (عليكم) بتأخير العذاب (ورحمته) بالإحسان وقبول التوبة أو «3» بارسال الرسل إليكم (لكنتم من الخاسرين) [64] أي المغبونين في الدارين بالعقوبة.
[سورة البقرة (2): آية 65]
ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين (65)
ثم هدد اليهود بتذكيرهم ما جرى لمن تقدمهم من أصولهم وهم أصحاب أيلة، مدينة على ساحل البحر، قيل: كان يجتمع السمك يوم السبت حتى يأخذ وجه الماء، وفي سائر الأيام لا يأتيهم إلا قليل «4»، فحرم عليهم الصيد يوم السبت، فاتخذوا مصائد ليقع فيها السمك ليلة السبت ويومه ويأخذوه يوم الأحد بقوله (ولقد علمتم) أي عرفتم (الذين اعتدوا) أي تجاوزوا الحد ظلما (منكم) أي من أسلافكم (في السبت) أي يومه، فاحتالوا وحبسوا السمك فيه أخذوه يوم الأحد، وأصل السبت القطع، لأن اليهود أمروا أن يقطعوا الأعمال فيه ويشتغلوا بعبادة الله، فمسخهم الله قردة، احتج مالك به في إبطال الحيلة، وجوزها غيره من الفقهاء إذا لم يكن إبطال حق أو عكسه، وقال: هذه ليست بحيلة وإنما هي عين المنهي عنه، لأنهم نهوا عن أخذها بأي وجه كان (فقلنا لهم كونوا) أي صيروا (قردة) جمع قرد، وهذا أمر تحويل، إذ لم يكن لهم على التحول من صورة إلى صورة، قيل: «مسخ الشبان منهم قردة والشيوخ خناذير لهم أذناب يتعاوون» «5»، وقيل: «مسخت قلوبهم» «6»، وهو خلاف الظاهر (خاسئين) [65] أي مبعدين من رحمة الله، من خسأ الكلب إذا بعده من عنده، يستعمل لازما ومتعديا، وهو خبر ثان ل «كان» أو صفة للردة أو حال من اسم «كان»، قيل: بقوا ثلثة أيام بالمسخ ثم هلكوا ولم يتوالد منهم قط «7».
[سورة البقرة (2): آية 66]
فجعلناها نكالا لما بين يديها وما خلفها وموعظة للمتقين (66)
(فجعلناها) أي صيرنا تلك العقوبة لهم (نكالا) أي عقوبة وعبرة ليمتنع من اعتبر بها أن يقدم على مثل
পৃষ্ঠা ৫২