جاهر، نصبها حال بمعنى معاينين (فأخذتكم الصاعقة) أي النار المحرقة النازلة من السماء فأحرقتهم لسؤالكم ما هو محال على الله من جهلكم في الدنيا (وأنتم تنظرون) [55] إلى الصاعقة النازلة، قيل: ماتوا يوما وليلة، ولم يمت موسى بل غشي عليه بدليل قوله وذلك حين أمر الله موسى أن يختار من قومه سبعين رجلا «1» ويأتي معهم إلى الطور للمناجاة معتذرين من عبادة العجل، فلما انتهى إلى الجبل قال لهم موسى: امكثوا هنا، فصعد موسى الجبل فناجى ربه، فلما رجع إليهم قالوا إنك رأيت الله فأرناه، فقال لم أره فلم يصدقوه فنزلت الصاعقة عليهم، فماتوا كلهم.
[سورة البقرة (2): آية 56]
ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون (56)
ثم دعا موسى ربه فأحياهم، فأخبر عنه فقال (ثم بعثناكم) أي أحييناكم (من بعد موتكم) ليستوفوا بقية آجالكم وكان ذلك الموت بلا أجل وإلا لم يحيوا إلى نفخ الصور (لعلكم تشكرون) [56] الله للحيوة بعد الموت وقبول توبتكم، قيل: إنما لم يمت موسى عند سؤال الرؤية، لأن سؤاله كان اشتياقا وافتقارا، وسؤال قومه كان تكذيبا واجتراء «2».
[سورة البقرة (2): آية 57]
وظللنا عليكم الغمام وأنزلنا عليكم المن والسلوى كلوا من طيبات ما رزقناكم وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون (57)
(وظللنا) أي جعلنا ظلا (عليكم الغمام) جمع غمامة، وهي السحابة لتقيكم من حر الشمس في التيه، وذلك حين أمروا بأن يدخلوا المدينة الجبارين، فأبوا ذلك فعاقبهم الله بأن يتيهوا في الأرض أربعين سنة، فأصابهم حر شديد وجوع مفرط، وفي الليل ظلمة شديدة، فرحمهم الله تعالى فأنزل عليهم عمودا من نور يسير معهم يضيء لهم مكان القمر، وغماما يظلهم من الحر وسئلوا موسى الطعام فدعا ربه فاستجاب له فقال (وأنزلنا عليكم المن) أي الترنجبين في الصورة، قيل: إنه كان أبيض مثل الثلج كالشهد المعجون بالسمن «3» (والسلوى) السمانى، وهو طير يضرب إلى الحمرة يأتيهم مشويا، قيل: يأتيهم المن والسلوى من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، فيأخذ كل إنسان كفايته إلى الغد، وإن زاد دود وفسد إلا يوم الجمعة، فانه يأخذ ما يكفيه ليومين، لأنه لا يأتيهم يوم السبت «4»، وقلنا لهم (كلوا من طيبات) أي حلالات (ما رزقناكم) من المن والسلوى، لا ترفعوا منه شيئا ادخارا ولا تعصوا أمري، فرفعوا وجعلوا اللحم قديدا مخافة أن ينفد، فرفعنا عنهم ذلك لعدم توكلهم علينا (وما ظلمونا) أي ما أضرونا بكفرهم هذه النعم وادخارهم الرزق بعد ما نهوا عن ذلك (ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) [57] أي يضرون برفعهم، فقطع عنهم الرزق، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي عليه السلام قال: «لو لا بنوا إسرائيل لم يخبث الطعام ولم يخنز اللحم، ولو لا حواء لم تخن امرأة زوجها» «5»، والخنز: النتن والفساد، وبعد مضي أربعين سنة وموت موسى وهرون أمر الله تعالى يوشع بن نون خليفة موسى بأن يدخل مع قومه باب بيت المقدس بالانحناء والتواضع ليعبدوا فيها تائبين مستغفرين، فانطلقوا ودخلوا مستهزئين.
[سورة البقرة (2): آية 58]
وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية فكلوا منها حيث شئتم رغدا وادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم وسنزيد المحسنين (58)
فقال تعالى (وإذ قلنا) أي اذكروا وقت قولنا لكم تنزيلا لهم مكان آبائهم في الخطاب (ادخلوا هذه القرية) أي مدينة بيت المقدس، والقرية: الحوض الذي يجتمع فيه الماء، سميت بها لجمعها أهلها (فكلوا منها حيث
পৃষ্ঠা ৪৯