التورية وتسترونه فيها بحيث لا يتميز أحدهما عن الآخر لقولهم إنه حق «1»، فالباء للصلة التي يقتضيها «2» الفعل أو لا تجعلوا الحق ذا لبس واشتباه «3» بباطل تكتبونه بأيديهم في التورية فالباء «4» للاستعانة، قيل: إنهم أقروا ببعض صفته وأنكروا بعضها بالتحريف ليلبسوا الحق «5» على الناس بذلك فلا يؤمنوا به «6».
قوله (وتكتموا) جزم عطف على «تلبسوا» أي لا تستروا (الحق) أي صفة محمد عليه السلام (وأنتم تعلمون) [42] أنه رسول الله رب العالمين، ويجوز أن يكون منصوبا باضمار أن بعد الواو بمعنى الجمع، أي ولا تجمعوا لبس الحق بالباطل وكتمان الحق، والفرق بين النهيين: أن لبس الحق بالباطل كتابتهم الباطل في التورية ليظنوا أنه حق، فهو الخلط، وكتمانهم الحق قولهم: لا نجد نعت محمد في التورية والحال أن ذلك ثابت فيها أو حكم كذا فيها - «7»
[سورة البقرة (2): آية 43]
وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين (43)
(وأقيموا الصلاة) أي صلوا الصلوات الخمس بشروطها وأديموها (وآتوا الزكاة) أي أعطوا المفروضة في أموالكم، وأدوه إلى مستحقيها «8»، و «الزكوة»: زيادة من المال «9» ببركة من الله (واركعوا) أي صلوا صلوة ذات ركوع (مع الراكعين) [43] أي مع المصلين، وإنما أمرهم بذلك، لأن اليهود لم يكن في صلوتهم ركوع، وكانوا يصلون فرادى، فحث المسلمين منهم أن يصلوا مع أصحاب محمد عليه السلام في الجماعات أو أمرهم أن يصلوا مع المصلين إلى الكعبة.
[سورة البقرة (2): آية 44]
أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون (44)
(أتأمرون الناس) الهمزة فيه للتقرير مع التوبيخ والتعجيب من حالهم، أي أتأمرونهم (بالبر) أي بالخير، وهو الاتباع لمحمد «10» والإيمان به (وتنسون) أي تتركون (أنفسكم) فلا تتبعونه مخافة أن يذهب منافعكم، والنسيان والسهو أخوان في الترك، لكن النسيان: ما غاب بعد حضوره، والسهو أعم، نزلت الآية في شأن أحبار اليهود الذين يقولون لحليفهم الذي أسلم، وسألهم عن رسول الله في السر أثبت على دين محمد، فان أمره حق ودينه صدق «11»، فوبخهم الله تعالى بقوله «أ تأمرون» الخلق بالمعروف وتتركون أنفسكم (وأنتم تتلون الكتاب) أي تقرؤن التورية وفيها صفته عليه السلام (أفلا تعقلون) [44] أي أفلا تعلمون بقوة العقل أنه حق فتتبعونه وهو جوهر متهيء للعلم، وأصله المنع، سمي به لمنعه من الشر، وفيه توبيخ على ترك الفعل لا على الأمر به لكون الأمر بالفعل الحسن حسنا على كل حال، قيل: اطلع ناس من أهل الجنة على ناس من أهل النار، فقالوا لهم: قد كنتم تأمروننا بالخيرات فدخلنا الجنة، قالوا: كنا نأمر بها ونخالف إلى غيرها «12»، وفيه دليل على أن من أمر بخير فليكن أشد الناس تسارعا إليه، ومن نهي عن شر فليكن أشد الناس انتهاء عنه.
[سورة البقرة (2): آية 45]
واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين (45)
(واستعينوا) أي اطلبوا النصرة على حوائجكم إلى الله (بالصبر) على أداء الفرائض ومشاق العباد (والصلاة) أي بأدائها مع ما يجب فيها من إخلاص القلب وحفظ النية ودفع الوساوس ومراعات الآداب (وإنها ) أي
পৃষ্ঠা ৪৫