[سورة البقرة (2): آية 7]
ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم (7)
(ختم الله) أي طبع الله بضرب الخاتم (على قلوبهم) وقفلها بخذلانه «1» لئلا ينفذ الحق فيها من قبل إعراضهم عنه في الظاهر واستكبارهم عن قبوله مجازاة لكفرهم، والقلب: قطعة لحم مشكل بالشكل الصنوبري معلق بالوتين مقلوبا، وإسناد الختم إلى الله للتنبيه على أن إباءهم عن قبول الحق كالشيء الخلقي غير العرضي (وعلى سمعهم) أي على مواضع سمعهم، فهم لا يسمعون الحق ولا ينتفعون به، وإنما وحد السمع مع أنه مضاف إلى ضمير الجمع لأنه مصدر أو لأمن اللبس كما في قوله كلوا في بعض بطنكم «2»، أي بطونكم، إذ البطن لا يشترك فيه، وكرر «على» للدلالة على شددة الختم في الموضعين (وعلى أبصارهم غشاوة) برفع التاء مبتدأ وخبر، والبصر: نور العين، يبصر به الشيئ «3»، أي استقر على أبصارهم غطاء أي غطاء، يعني غير ما يتعارفه الناس وهو غطاء التعامى عن آيات الله تعالى، فلا يبصرون الهدى بالنظر والاستدلال (ولهم عذاب عظيم) [7] أي لهم من بين الآلام نوع عظيم دائم في الآخرة، لا يعلم كنهه إلا الله، وال «عذاب»: هو العقاب الذي يرتدع به الجاني عن العود إلى الجناية، وال «عظيم»: ضد الحقير كما أن الكبير ضد الصغير، ويستعملان في الجواهر والأعراض.
[سورة البقرة (2): الآيات 8 الى 9]
ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين (8) يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون (9)
قوله (ومن الناس) إلى ثلاث عشرة آية، عطف على قصة الكافرين، نزل: في شأن المنافقين من اليهود كعبد الله بن سلول وأصحابه «4»، فانهم يبطنون الكفر ويظهرون الإسلام ليسلموا من المؤمنين، ف «من» للتبعيض، أي منهم (من يقول) أي ناس يقرون «5» باللسان (آمنا) أي صدقنا (بالله وباليوم الآخر) أي الوقت الدائم الذي هو آخر الأوقات المنقضية، والمراد به البعث، واختص الإيمان بالله واليوم الآخر بالذكر لأنهم أوهموا فيه أنهم أحاطوا الإيمان بأوله وآخره، أي المبدأ والمعاد، فوجب أن يكون مؤمنين جزما بالإيمانين، ولذلك كرروا الباء في دعويهم على وجه الصحة والاستحكام، والواو للحال في (وما هم) أي ليسوا (بمؤمنين) [8] أي بمصدقين بالله لقولهم: عزير بن الله، ولا بمصدقين «6» بالبعث، لأنهم اعتقدوا «7» على خلاف صفته لقولهم: إن الآخرة لا أكل فيها ولا شرب ولا نكاح ونعيمها ينقطع، وفي الحكم عليهم بأنهم ليسوا بمؤمنين نفى ما ادعوه على سبيل البت والقطع، لأنه نفى أصل الإيمان منهم بادخال الباء في خبرها، ولذا لم يقل: وما هم من المؤمنين، فان الأول أبلغ من الثاني، و«من» موصوفة إن كانت اللام في الناس للجنس، وموصولة إن كانت للعهد، لأن الكافر عام شامل للفريقين المصرين في الكفر وغير المصرين، ثم خص بقوله «ختم الله»، وخص هنا بقرينة أخرى بالمنافقين، وهي توحد وتجمع نظرا إلى اللفظ والمعنى، فلذا قال: «يقول وما هم»، والباء زائدة لتأكيد النفي كما في خبر ليس، المعنى: أن بعض الناس يدعون الإيمان وهم كاذبون في دعويهم ذلك، وبين ذلك بقوله (يخادعون الله) أي يخالفون الله أو نبي الله، وذكر الله تحسين (والذين آمنوا) أي يخالفون «8» المخلصين في إيمانهم باظهار الإيمان باللسان وستر الكفر في القلب، وأصل الخدع الستر، ولذا يقال للمخزن مخدع، والمفاعلة هنا من واحد، وإنما عدل إليها «9» لقوة الداعي إلى نفس الفعل كعاقبت اللص (وما يخدعون) بالألف المفاعلة من
পৃষ্ঠা ৩০