চুয়ুন ঘামিজা
العيون الغامزة على خبايا الرامزة
فإن كان مِن من لغته همز مثل هذه الألف وهمزها كما يُحكى عن ابن رُؤبة في الاعتذار عنه جاز، وإلاّ كان سنادا. وسنادُ الحذو تعاقب الفتحة مع الضمة أو مع الكسرةِ قبل الردف كقوله:
كأن متونهنَّ متونُ غذرٍ ... تصفّقها الرياحُ إذا جَرَينَا
وسناد الردف تركه في بيت دون آخر، كقوله:
إذا كنت في حاجةٍ مُرسلًا ... فأرسلْ حكيمًا ولا تُصهِ
وإن بابُ أمرٍ عليكَ التوى ... فشاور حكيمًا ولا تعصهِ
وأما التوجيه فهو حركة ما قبل الروي المقيد وأشار إليه الناظم بالمثل التي ذكرها، فإن اختلف التوجيه كما في مُثل الناظم فهو سنادٌ عند الخليل، بل رآه أفحش من سناد الإشباع. والأخفش يرى أن اختلاف الإشباع أفحشُ مستندًا إلى كثرة تعاقب الحركات قبل الروي المقيد في أشعار العرب كقول امرئ القيس:
فلا وأبيك ابنةَ العامريِّ ... لا يدَّعى القومُ أنيّ أَفِرّْ
إذا ركبوا الخيل واستلاموا ... تَحرَّقت الأرضُ واليومُ قَرّْ
وإلى حجة الأخفش أشار الناظم بقوله «وتوجيهها مثل ارتدع دع ورع فشا»، وعليه فتوجيهها مبتدأُ خبرهُ «مثل ارتدع دع ورع»، وقوله «فشا» خبرٌ آخر. وأما الأسماء الواقعة قبل قوله «وتوجيهها» فكُّلها مخفوض بالعطف على المجرور المتقدم وهو «ذا» من قوله «بذا» . وينبغي أن يكون الجار متعلقًا بمحذوف يدل عليه ما تقدم، أي ساندْ في هذا وفي تأسيس وحذوٍ وردفها. فإن قلتَ: لم لا يتعلق «بساند» الملفوظ به في البيت السابق؟ قلتُ: أما أولًا فلما يلزمُ عليه من الإخبار عن الموصول قبل تمام صلته، وأمّا ثانيًا فلما يلزم عليه من عيب التضمين ولا يُرتكب ما وُجد عنه مندوحة. وأحسن ما قيل في وجه تسمية السِّناد أنّهم يقولون «خرج بنو فلان متساندين»، أي خرجوا على رايات شّتى، فمنهم مختلفون غيرُ متفقين، فكذلك قوافي الشعر المشتمل على السّناد اختلف ولم تأتلف بحسب جاري العادة في انتظام القوافي واستمرارها. قال:
ومستكملُ الأجزا العديم سنادهُ ... هو البأوُ ثمّ النَّصبُ يُومنُ يُختشى
أقول: صرّح الأخفش في كتاب القوافي له بأنّ البأو والنصب هو ما كان من القصائد سالمًا من الفساد وهو تام البناء، فإذا جاء الشعر المجزوء لم يسموه بأوًا ولا نصبًا. ولا يريد الاقتصار على المجزوء، بل المشطور والمنهوك أيضًا متى وُجدا فلا بأو ولا نصبَ، وذلك هو مرادُ الناظم بقوله «ومستكمل الأجزا» إلى آخره، أي أن الشعر الذي استكمل أجزاء دائرته فلم يكن مجزوءًا ولا مشطورًا ولا منهزكًا وعدم السناد فهو البأو ثم النصب. وظاهر كلام الأخفش أن البأو والنصب مترادفان. وقال ابنُ جنى: لمّا كان البأو أصله الفخر، والنَّصبُ من الانتصاب وهو المثول والتطاولُ، لم يُوقع النصب ولا البأو على ما كان من الشعر مجزوءًا لأن جزأه علةٌ وعيبٌ لحقه، وذلك ضدُّ الفخر والتطاول. لكن قال بعضهم: البأو ما عدم السناد المستحسن كوقوع الضم مع الكسر، والمستقبح كوقوع الفتح مع ضم أو كسر، وظاهره أن النصب تجنبُ المستقبح من السناد دون المستحسن، والبأو تجنبهما. قال الشريف: فلذلك جاء الناظم «بثُم» إشارة إلى أنه دونه في الرتبة وقوله «يومن يُختشى» فيه لفٌّ ونشر مرتب، «فيومن» راجع إلى ما يقتضيه البأو، يعني أن البأو مأمون معه السناد من حيث فقدان العيب مطلقًا، «ويختشى» راجع إلى ما يقتضيه النصب، أي أن النصب يُختشى معه السناد من حيث أنه ربما يكون معه ما هو معيب عند بعض العلماء. وقد بان لك أن الضمير الذي تحمّله كلُّ واحد من قوله «يومن» «ويختشى» عائدٌ على السناد. قال:
ومطلقُها باللين والهاء ستُّها ... وتبلغ تسعًا بالمقيد عكس ذا
فجرّدها أردفهما أسِّسنهما ... والأولُ قد يولىَ الخروجَ فيُحتذى
أقول: يعني أن صور القوافي لا تعد وتسع صور، منها ستٌّ مطلقة وثلاثٌ مقيدة، فالمطلق ما كان موصولًا، والوصلُ كما مرّ يكون تارةً بحرف لين وتارةً بهاء، وكلّ منهما إما مردف أو مؤسس أو مجرد من الردفُ والتأسيس، فهذه ستّ صور حاصلة من ضرب اثنين في ثلاثة. فالمردف الموصول بحرف اللين كقوله: ومن أين للوجه المليح ذنوبُ والمردف الموصول بالهاء كقوله: عَفت الديارُ محلها فمقامها
1 / 90