উসমান ইবনে আফফান: খেলাফত ও রাজত্বের মাঝে
عثمان بن عفان: بين الخلافة والملك
জনগুলি
أما وذلك وضع عمرو بمصر في هذه الفترة من الزمن فمن العسير اتهامه بالتقصير لعدم تتبعه أنباء الروم بالإسكندرية. بل إن له من العذر، حتى لو أنه كان باقيا على ولاية مصر، أنه كان يدفع عن نفسه تهما شنيعة يراد إلصاقها به. وأية تهمة يمكن أن تسند لحاكم أشنع من اتهامه بعدم النزاهة، ومحاولة استغلال الحكم لمنفعته ولزيادة ثروته.
أيا ما يكون الأمر فقد أرسل روم الإسكندرية إلى الإمبراطور قنسطانز الثاني
Constans II
يسألونه أن يخلصهم من حكم المسلمين، ويهونون عليه الأمر بضعف مسلحة العرب في الإسكندرية، وبأنه صاحب البحر دون المسلمين، فإذا بعث بالجنود في السفن سرا فلم يفطن المسلمون له نزلت قواته عاصمة مصر فاستولت عليها واستولت منها على أقاليم مصر كلها. وراقت الفكرة قنسطانز وبلاطه وخيل إليهم أنهم متى عادوا إلى مصر فملكوها لم يكن ما أصابهم بالشام شيئا مذكورا.
ولا ريب كان لقنسطانز أبلغ العذر في الاقتناع بهذا الرأي. فلم يكن للعرب إلى يومئذ شراع واحد في البحر الأبيض. وقد طلب معاوية بن أبي سفيان إلى عمر بن الخطاب تجهيز السفن لحراسة الشواطيء بالشام ومصر ولمواجهة الروم إذا حاولت سفنهم مواجهة هذه الشوطيء، فأشفق ابن الخطاب مما طلب معاوية، وذكر ما أصاب العلاء بن الحضرمي حين غامر فاجتاز الخليج الفارسي بالجند في السفن فقطع عليه الفرس خط رجعته إلى سفنه. فلما ألح معاوية على عمر كتب إلى ابن العاص ليصف له البحر فكان جواب عمرو: «إني رأيت البحر خلقا كبيرا يركبه خلق صغير ليس إلا السماء والماء، إن ركد أحزن القلوب، وإن ثار أراغ العقول، يزداد فيه اليقين قلة والشك كثرة. هم فيه كدود على عود، إن مال غرق، وإن نجا برق.» فزاد هذا الوصف إشفاق عمر فلم يبح لمعاوية أن يجهز السفن ومنعه من العود إلى مخاطبته في الأمر. أما والمسلمون لا يعرفون من أمر البحر شيئا، وللروم على متنه القوة، وفي مقدورهم أن ينقلوا جندهم في السفن إلى مصر، فلا عجب أن ينتهز قنسطانز فرصة إن فاتته ضاع أمله في استرداد مصر، وفي استرداد هيبة الإمبراطورية التي ورثها عن أجداده، بل ضاع أمله في بقاء هذه الإمبراطورية في آسيا وإفريقية.
وجهز قنسطانز أسطولا من ثلاثمائة سفينة أوقرها بالرجال. وجعل على قيادتها مانويل الخصي ودفعها للغاية التي أرادها، لكنه أخفى على الناس مقصدها حتى يظل أمرها سرا مكتوما فلا يعرفه العرب. ونجح كيده فبلغ الأسطول الإسكندرية ونزل جنوده بها، فتلقاهم الروم المقيمون فيها وانضموا إليهم وساروا معهم إلى مسلحة العرب، فقتلوا رجالها جميعا لم ينج منهم إلا نفر لاذوا بالفرار. واستقر مانويل وجنوده بالعاصمة العظيمة، وخيل إليهم أن مغامرتهم نجحت، وأن جلاء المسلمين عن مصر أصبح قدرا مقدورا.
كان نزول الروم الإسكندرية في الأشهر الأولى من السنة الخامسة والعشرين للهجرة (664 ميلادية)، أي بعد عام وأشهر من بيعة عثمان. هذا تاريخ يكاد الرواة يجمعون عليه. وإجماعهم هذا يدل على أن مقتل عمر شجع بلاد القسطنطينية على المسارعة إلى إجابة الروم من أهل الإسكندرية، ظنا منهم أن وفاة الفاروق ستفت في عضد المسلمين وتقضي على الفتح الإسلامي الذي سار في عهده سيرة أذهلت الروم والفرس جميعا.
ماذا صنع العرب حين بلغت أنباء الروم الفسطاط؟ أتراهم خفوا للقائهم ووقفوا عن الزحف داخل البلاد؟ أم تولتهم الخشية أن يهزمهم الروم فلزموا مسالحهم حتى يأتيهم المدد من شبه الجزيرة؟ تضطرب الروايات عن هذه الفترة الأولى كاضطرابها في أمر عمرو بن العاص وبقائه بمصر أو ذهابه إلى مكة. والثابت أن الروم أغاروا على ما جاور الإسكندرية من البلاد، وسار جيشهم في أرجاء مصر السفلى ينهب القمح والثمر والأموال من قراها ولا يدافعه مدافع. والظاهر أن العرب وقفوا من هذه الحوادث موقف الحيرة والاضطراب، وأنهم استمدوا أمير المؤمنين بالمدينة الرأي وطلبوا إليه المعونة. وأجمع أهل الرأي بالمدينة كما أجمع المسلمون بمصر على أن الرجل الذي يستطيع مواجهة هذا الموقف الدقيق هو عمرو بن العاص دون سواه. فقد كان اسمه يبعث الرهبة في نفوس الروم، وكانت سياسته تلقى من أهل مصر الرضا والتأييد؛ لهذا عهد إليه عثمان أن يتولى قتال الروم فيجليهم عن مصر كما أجلاهم عنها أول مرة. أفكان عمرو بمصر؟ أم كان بمكة حين عهد إليه الخليفة هذا العهد؟ لا نستطيع البت في هذا الأمر وقد اختلفت الروايات فيه. وإنما الثابت أن عمرا لم يتردد في تنفيذ ما أمره الخليفة به، ولم يجد فيما أصابه من عمر ومن عثمان بعده ما يرده عن القيام بواجب مقدس هو الجهاد لله وفي سبيل الله.
أم صحيح ما يقال من أن الجهاد في سبيل الله لم يكن هو الذي أسرع بعمرو إلى إجابة عثمان إلى دعوته، وإنما دفعه إلى هذا الإسراع ما جبل عليه من الجرأة وحب الإمارة، ومن الحرص على أن يعرف المسلمون أن عمر بن الخطاب ظلمه حين خاصمه، وكان أحرى به أن يجزيه بالخير عن فتح مصر، وأن عثمان بن عفان لم ينصفه حين قدم عليه عبد الله بن سعد بن أبي سرح، وأن المسلمين لا غنى لهم عن تدبيره وحسن حيلته، وأنهم سيحملون عثمان على أن يجعله على جند مصر وخراجها متى رد عادية الروم وأجلاهم عنها؟ لا نريد أن نسبق الحوادث بالجواب، فالحوادث كفيلة بإبرازه في وضوح وجلاء.
ندع هذا الجواب إذن ونقف مع عمرو بالفسطاط، ونسايره إلى مقر القيادة بحصن بابليون. لقد كان عمرو يعرف أفاعيل جيش الروم، وأنهم ساروا في بلاد مصر السفلى يغنمون وينهبون، ويتوفرون على الملذات ينتهبونها انتهابا، وأن المصريين وقفوا من هؤلاء الغزاة القساة موقف الخوف والفزع، لا يعترضونهم ولا يعاونهم من أهل البلاد إلا قليلون.
অজানা পৃষ্ঠা