أي فضل كان ولم يكن لهم فيه اليد الطولى؟ أي مزية من الله بها على الإسلام ولم يكونوا من السابقين لاقتنائها؟ نعم، وفيهم جاء من قول النبي
صلى الله عليه وسلم : «لو كان العلم في الثريا لناله رجال من فارس.»
فيا أيها الفارسيون تذكروا أياديكم في العلم، وانظروا إلى آثاركم في الإسلام، وكونوا للوحدة الدينية دعامة، كما كنتم للنشأة الإسلامية وقاية، أنتم بما سبق لكم أحق الناس بالسعي في استرجاع ما كان لكم في فتوة الإسلام، أنتم أجدر المسلمين بوضع أساس الوحدة الإسلامية، وما ذلك ببعيد على طيب عناصركم وقوة عزائمكم ، أظن لا يخفى عليكم أن هذا الوقت هو أحسن الأوقات لندائكم بالوحدة مع الأفغانيين والتحالف معهم على مقاومة العادين؛ لتكونوا بالاتحاد معهم حصنا حصينا، وحرزا منيعا، تقف دونه أقدام الطامعين، أظنكم لم تنسوا أن استيلاء الإنجليز على الممالك الهندية، إنما تم بوقوع الخلاف بينكم وبين الأفغانيين.
هل يخفى عليكم أن كل مسلم في الهند شاخص بصره إلى طرف بنجاب ينتظر قدومكم إذا اتحدتم مع إخوانكم الأفغانيين، حصلت لكم تجارب كثيرة وشهدتم من مظاهر الحوادث ما فيه أكمل عبرة، فهل يصح بعد هذا أن تستمروا على التجافي والتباعد، مع علمكم أن الوحدة منبت الشوكة؟
هذا آن التآخي والتوافق، هذه أوقات التحالف والتواثق، أحاط الأعداء ببلادكم، شرقا وغربا، وكل يشحذ سيفه ويسدد سهمه، حتى تمكنه الفرصة من شن الغارة على أطراف بلادكم، فلو ضاعت الفرصة في هذا الوقت فربما لا تصادفونها في غيره، الإنجليز في ارتباك شديد في المسألة المصرية مع ضعفهم في القوة العسكرية، ومتورطون باختلاف الدول عليهم ومعاكستهم لمقاصدهم.
الأمير عبد الرحمن خان أمير أفغانستان على ما نعهده من أول شيبوبته أشد الناس عداوة للإنجليز، وبينه وبينهم حزازات لا تزول، بل نقول: إن عداوة الإنجليز سارية في عروق الأفغانيين عموما ممتزجة بدمائهم، فلو حصل الاتفاق الآن بين سلطنة الشاه وبين إمارة الأفغان، لوجدت قوة إسلامية جديدة في المشرق بين سائر الطوائف الإسلامية، وينبعث فيهم وفي سائر المسلمين حياة جديدة، وتتجدد لهم آمال جليلة، وتنتعش بذلك أرواح المؤمنين، هذا وقت تنبهت فيه أفكار الأفغانيين إلى أعمال جيرانهم في المسألة المصرية، وتحركت فيهم السواكن، وهي أعظم فرصة لأهل فارس في دعوتهم للاتحاد معهم.
هذا عمل من أجل الأعمال وأجزلها فائدة، وإن من أكبر الفضل أن يقوم أهل الفضل من أهالي إيران بتحرير الفصول ونشر الرسائل في بيان فوائد الاتفاق بين الطائفتين، وإن لذلك لأثرا عظيما في النفوس خصوصا إن كانت من أقلام العلماء الأعلام، والمجتهدين الكرام.
العالم الإنساني عالم الفكر والكلام، فإحكام الفكر الصالح ونشره في الكتب والرسائل والجرائد مما يؤثر أجمل الأثر في تهذيب الناس وتثقيف عقولهم، وإزالة الضغائن المفسدة لمعاشهم ومعادهم، فإذا قام المستبصرون وخطبوا ووعدوا، وكتبوا ونشروا، مع الوقوف عند الحدود الدينية، والأصول الشرعية، كان فضل الله كافلا لهم النجاح.
أي فرق بين الأفغانيين وإخوانهم الإيرانيين، كل يؤمن بالله وبما جاء به محمد
صلى الله عليه وسلم ، عبد الرحمن خان بما أكسبته التجارب أول من يتقدم لهذا الاتفاق، ولا نشك أن شاه إيران لما اطلع عليه في سياحاته وشاهده في أسفاره لا يأبى المبادرة إليه والسعي فيه، إن البادئ بالعمل في هذا المقصد الأسمى هو صاحب الفضل الأعظم بين المسلمين خصوصا وبين العالم عموما ويجني ثمرته في وقت قريب.
অজানা পৃষ্ঠা