كان الشيخ محمد عبده بين الطوائف الراقية من المصريين وبين طوائف الأجانب في مصر محبوبا معظما معترفا له بمقام الإمامة الذي لا يساميه مقام، وانتشر صيته في أقطار الشرق وتوجهت إليه الأنظار.
ولو شاء الشيخ محمد عبده لكان ذا غنى، ولترك لأرملته المحترمة المريضة ثروة تكفل لها من بعده رفه الشيخوخة وتصونها من ذلة العسر، ولكن الأستاذ الإمام كان أكبر نفسا وأشد احتقارا للدنيا من أن يبذل جهده في جمع المال، فعاش عظيما فقيرا، ومات فقيرا عظيما.
العروة الوثقى
المقالات والفصول
فاتحة الجريدة
ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير . •••
هذا ما تمده العناية الإلهية من قول الحق، متعلقا بأحوال الشرق، وعلى الله المتكل في نجاح العمل.
خفيت مذاهب الطامعين أزمانا ثم ظهرت، بدأت على طرق ربما لا تنكرها الأنفس ثم التوت، أوغل الأقوياء من الأمم في سيرهم بالضعفاء حتى تجاوزوا بيداء الفكر، وسحروا ألبابهم حتى أذهلوهم عن أنفسهم وخرجوا بهم عن محيط النظام، وبلغوا بهم من الضيم حدا لا تحتمله النفوس البشرية.
ذهب أقوام إلى ما يسوله الوهم، ويغري به شيطان الخيال، فظنوا أن القوة الآلية، وإن قل عمالها، يدوم لها سلطان على الكثرة العددية وإن اتفقت آحادها، بل زعموا أنه يمكن استهلاك الجم الغفير في النزر اليسير، وهو زعم يأباه القياس، بل يبطله البرهان: فإن تقلبات الحوادث في الأزمان البعيدة والقريبة ناطقة بأنه إن ساغ أن عشيرة قليلة العدد فنيت في سواد أمة عظيمة، ونسيت تلك العشيرة اسمها ونسبتها، فلم يجز في زمن من الأزمان إمحاء أمة أو ملة كبيرة بقوة أمة تماثلها في العدد أو تكون منها على نسبة متقاربة، وإن بلغت القوة أقصى ما يمثله الخيال.
والذي يحكم به العقل الصريح ويشهد به سير الاجتماع الإنساني، من يوم علم تاريخه إلى اليوم؛ أن الأمم الكبيرة إذا عراها ضعف لافتراق في الكلمة، وغفلة في عاقبة لا تحمد، أو ركون إلى راحة لا تدوم، أو افتتان بنعيم يزول؛ ثم صالت عليها قوة أجنبية، أزعجتها ونبهتها بعض التنبيه، فإذا توالت عليها وخزات الحوادث، وأقلقتها آلامها؛ فزعت إلى استبقاء الموجود ورد المفقود، ولم تجد بدا من طلب النجاة من أي سبيل، وعند ذلك تحس بقوتها الحقيقية، وهي ما تكون بالتئام أفرادها، والتحام آحادها، وأن الإلهام الإلهي والإحساس الفطري والتعليم الشرعي ترشدها إلى أن لا حاجة لها إلى ما وراء هذا الاتحاد، وهو أيسر شيء عليها.
অজানা পৃষ্ঠা