فلما رأى
2
شدة تأثرهم دفعة واحدة وأحس منهم القنوط، حاول إحياء آمالهم بقوله: إنا سلكنا في اتفاقنا هذا مسلك سائر الدول، ومن السنن المتعبة فيها تنازل كل من طلاب الاتفاق عن شيء مما عليه الاختلاف حتى يتقاربوا ويتعادلوا فيسهل اتفاقهم، يوهم بهذا أنه وإن ترك كل حق لفرنسا في مصر إلا أن الإنجليز أيضا تساهلوا معه في أمور.
هذه المسامحة التي لم تكن منتظرة من حكومة فرنسا ذهبت بالظنون إلى ما وراء الظاهر المعروف، ومنه ما بعث مراسل جريدة «التاج بلات الألماني» في فيينا على قوله: يظن ههنا (في فيينا) أن الدول ستعارض هذه الاتفاق رغما عن كل وهم. ا.ه.
وليس ببعيد أن يكون نعير الإنجليز وهديدهم وإرهابهم للوزارة الفرنسية بالميل للألمان هو الذي دعاها لهذا التساهل الغريب، بل حملها على ترك الحق بالكلية، أو ربما ظن رئيس الوزراء أن اشتداده في اقتضاء حقه أو حق من له بهم علاقة صحيحة يوجب تغييرا في وزارة جلادستون، فيقوم خلفها على الاغتصاب بالقوة وانتهاك كل حق، فتضيع الحقوق الفرنسية بلا منة من فرنسا في ضياعها، فسارع إلى موافقتها على ما تشاء، وطرح مصلحة فرنسا في مصر بين يديها لتكون المنة في استيلاء الإنجليز على مصر للفرنسيين.
ولكنا نظن أن هذا النوع من المعاملة لا يفيد فرنسا أكبر مما يجلب عليها من الضرر؛ فإن التساهل وسوء السياسة الذي كان من الحكومة الفرنسية مع بريطانيا في الهند عندما كان للأمتين منافسة فيه آلت إلى تغلب الإنجليز على جميع الممالك الهندية، ورجع الفرنسيون بخفي حنين، ولم يمح أثر ذلك الخسران من خواطر الأمة الفرنسية إلى الآن، والمستقبل أشبه بالماضي من الماء بالماء.
وقد يقال: إن الحكومة الفرنسية حولت نظرها عن مصر إلى جهة أخرى، وبقي رجاؤنا في نواب الأمة الفرنسية؛ فإنهم وإن أظهروا ثقتهم بالوزارة بعد مجادلات طويلة إلا أنهم شرطوا عليها أن لا تبرم حكما في المؤتمر إلا بمشورتهم - اللهم حقق الرجاء - وإنا في عجب من حرص مجلس البرلمان الإنجليزي حيث يعارض جلادستون في هذا الاتفاق مع أن أقرب نتائجه الاستيلاء، وقد طلب البرلمان من جلادستون مثل ما طلب نواب فرنسا من وزيرها.
أما حقوق العثمانيين والمصريين فلم نر لها بين المتفقين ذكرا، اللهم إلا أن يقوم أربابها على المطالبة بها، وعند ذلك نرى لها فصلا بين هذه الأبواب.
الفصل الثاني والسبعون
الاتفاق
অজানা পৃষ্ঠা