نظن أن لا وسيلة لهذا إلا بتسليم الأمر لأربابه والدخول إليه من بابه، وتركه للمسلمين يرضي بعضهم بعضا ويدافع بأسهم بأس بعض، فإن كان هذا هو نهاية السير، فمن الخطأ السياسي أن لا يبدأ به قبل اشتداد الكرب، وعظيم الخطب - والله الهادي إلى طريق الرشاد.
الفصل العاشر
اضطراب سياسة الإنجليز في مصر
تشاكلت أفكار السياسيين من الإنجليز في لوم الحكومة على سياستها المصرية، قال اللورد سالسبري في بعض الاجتماعات العظيمة: إن الحكومة الإنجليزية بالتواء سياستها وتذبذبها وضعت من شرف إنجلترا وخفضت اسمها، وعرضت أجل المصالح الإمبراطورية «الهند» للخطر، ثم تكلم في منشور جوردون باشا المبيح لبيع الرقيق فقال: ليس من الممكن لمسيو جلادستون أن يبيح تجارة الرقيق على حفافي النيل وهو يحظرها على سواحل البحر الأحمر (والأولى أن يبيحها في جمعية البقاع لاستحالة منعها مطلقا)، وذكرت جريدة «البال مال جازيت» أن مستشار جمعية منع الرق في لندن أرسل إلى اللورد جرانفيل خطابا بالنيابة عن أعضاء الجمعية يلقي عليه التبعة في تسمية زبير باشا واليا على السودان الشرقية، وأن الجمعية اتفقت آراؤها على أن مساعدة الحكومة الإنجليزية لرجل كزبير باشا تكسبها عارا وحطة في نظر أوروبا. •••
وقالت جريدة الديلي نيوز: «الصحيح أن الارتباك الواقع في مالية مصر أقلق وزارة إنجلترا وبعثها على البحث في إيجاد وسيلة لإدخال النقود إلى مصر؛ فإنها في غاية الحاجة إليها، ويؤكد أن الحكومة الإنجليزية ستعرض أفكارها على البرلمان في هذا الشأن، وفي الظن أن ما تعرضه عليه يكون متعلقا بضمانة القرض المصري (دخول مصر في حماية إنجلترا رسميا).» إلا أن عددا عديدا من الأحرار في البرلمان صرحوا بعدم قبولهم أي فكر يعرض عليهم في هذه المسألة، ومع هذا فقد كذبت هذه الجريدة ما أشيع في الدوائر المالية من أن في عزم الحكومة الإنجليزية أن تعد قرضا للبلاد المصرية مبلغه ثمانية ملايين بفائدة ثلاثة ونصف في المائة.
الفصل الحادي عشر
برلمان إنجلترا
انعقدت له جلسة من أيام لم يحضرها المستر جلادستون؛ لأنه كان مريضا (أو متمارضا لخوفه من عاقبة المداولة فيها) فناب عنه في الكلام هرتنكتون وزير الحربية، وابتدأ يطلب نقودا لنفقات حلول الجيش الإنجليزي في الأقطار المصرية وبين الدواعي إلى ما طلب، فعارضه المسيو لابوشير (وهو من الحزب الحر الذي يأبى أن تدخل إنجلترا في أي حرب كانت) وطلب تنقيص المبلغ الذي طلبه وزير الحربية، ثم دارت المباحثة في المسألة المصرية وحمي وطيس الجدال فيها، وتكلم الخطباء عن ماضيها وحاضرها ومستقبلها، وبينوا الأغلاط التي ارتكبتها الحكومة في سياستها وماذا يجب الآن إعداده من وسائل الخلاص، وقال اللورد نورثكوت (وهو رئيس حزب المعارضين لسياسة الحكومة): إن خطاب وزير الحربية دل على تغيير عظيم في أفكار الوزارة، فقد علمنا من كلامه أنها جارت الرأي العمومي في البلاد وأذعنت لمقتضيات الحوادث، وعدلت عن السياسة المرتجة المتزعزعة، واعترفت بما تعهدت به، وقبلت أن تقوم بوفائه بعد أن كانت تحاول التملص منه، وفهم منه أيضا أن بلاد السودان إذا تركت لصغار السلاطين القدماء الذين يحاولون استعادة ممالكهم ليقيموا فيها إمارات صغيرة، فإن الخرطوم تكون مستثناة لأهميتها في راحة البلاد المصرية.
إن البحر الأحمر لما كان تابعا لقنال السويس ومرتبطا بطريق الهند، فمصالح إنجلترا تقضي بأن تكون الثغور المصرية (من الإسكندرية إلى ما وراء عدن فتدخل رشيد ودمياط وبورسعيد وسواكن ومصوع) بيد الإنجليز ما دام المصريون عاجزين عن الدفاع عنها، ووضح في خطابه (وزير الحربية) أن أفكار الوزارة في هذه الأوقات متجهة لأن تحمل عساكرها في مسافات طويلة من السودان الشرقي لعلمها بلزوم اتصال شواطئ البحر الأحمر بالمراكز التي تبقى في السودان، وأن توصل سواكن ببربر بخرطوم، وهذا الرأي الذي أبداه وزير الحربية يستدعي الحلول في مصر إلى مدة أطول من المدة التي صرح بها سابقا.
كانوا بدأوا في استدعاء قسم من العساكر وصمموا على استدعاء قسم آخر منها، لكنهم الآن لا يريدون إلا تقرير حكومة أهلية (كذا) قادرة أن تقوم بنفسها وتأتي أعمالا مفيدة لبلادها، وبعدما كانوا يستعملون الألفاظ المبهمة في شأنهم مع مصر، صرحوا بالحالة التي يجب أن تكون عليها مصر حتى تتركها إنجلترا وشأنها، ويريد وزير الحربية بحكومة ثابتة قادرة ما تكون موضع الثقة لرعاياها والأوروبيين المستوطنين في البلاد ومحل من النقود التي تحمل إليها (دينا وقرضا). •••
অজানা পৃষ্ঠা