ويقرب من هذه الأعجوبة ما أجاب به جرانفيل موزورس باشا عندما بين له لزوم التداخل العثماني في حوادث السودان، حيث قال: إن العساكر التركية تلاقي من معارضة المصريين مثل ما تلاقي العساكر الإنجليزية، فاعتبروا يا أولي الأبصار.
الفصل الرابع
غريبة
روت جريدة التان، عن الجرائد الإنجليزية: أن الخديو الحالي عقد عزمه على الاستعفاء من منصبه، إلا أن حرمه (زوجته) عارضته فيما عزم عليه كل المعارضة، وعندما أشار إليها بما في نيته تناولت مقراضا وجزت شعرها؛ علامة على الحداد وأقسمت أن لا تلبس الجوارب والأحذية حتى توقن بعدوله عن مقصده هذا، وهي من ذاك الوقت تمشي حافية وتنتظر آخر عزيمة من زوجها الخديو.
ولعل هذا من مبالغات الجرائد الإنجليزية، أو يكون منشؤه إلحاح السير بارين عليه بطلب حماية إنجلترا - كما رواه كثير من الجرائد، أو إجباره على التنازل، كما روته جرائد أخرى.
الفصل الخامس
جوردون باشا
إن جوردون باشا بعدما نصب نفسه للمدافعة عن حرية السودانيين زمانا طويلا، وكثر ما توسل بذلك لعودته حاكما للسودان؛ نال في هذه الحوادث بغيته، وأرسل من قبل دولته لعمل سوداني فوصل الخرطوم وافتتح أعماله بمخالفة مشربه، فأعلن إباحة بيع الرقيق وإلغاء معاهدة سنتي 1877-1879، ثم تعدى على حقوق السلطان بدعاوى مختلفة، منها أنه جاء نائبا عنه، وتضاربت أقواله في مأموريته، فادعى أنه حاكم عام على الأقطار السودانية بأمر دولته والحكومة المصرية، مع تصريحه بأن الحكومة المصرية لا دخل لها من الآن في إدارة السودان رأسا واعترافه بإمارة الشيخ محمد أحمد على كوردفان.
هذه كل وسائله لامتلاك قلوب السودانيين، ولم يلبث أن ظهر ضعف سياسته عند جميعهم؛ لعلمهم السابق بأطواره، فكان ما أجمعت عليه الجرائد الإنجليزية والفرنسية من عدم نجاحه في مأموريته، فإن الأخبار الخصوصية الواردة من الخرطوم متفقة في أن ما أشيع من البهجة بقدوم جوردون محي أثره وتحول إلى اضطراب وقلق وتشويش في الأفكار، وأن القبائل فيما وراء الخرطوم تسخر بمنشوره وتهزأ بوعده ووعيده .
وهذا الضرب من السياسة ربما يستغربه من لا يعرف حال جوردون، أما المصريون جميعا والسودانيون خصوصا فلا يعجبون منه لوقوفهم على أحواله من قبل، وإنما العجيب من كون الحكومة الإنجليزية ذهلت عن أن ثورة دينية لا يمكن إطفاؤها بيد من يخالف الثائرين دينا وشكلا ولغة وإن كان عاقلا سياسيا.
অজানা পৃষ্ঠা