عند هذا شخص إلى الأبعاد وعيناه تبحثان عن منزل العملة فأبصر السطح الأسود يتصاعد مظلما إلى سماء تشرين الملأى بالغيوم وشعاع المغيب ينعكس على نوافذ السيدة فارس؛ وتراءت له شجرة الطلح العارية من الأوراق تهزهز أغصانها المستبقية على أطرافها بعض أوراق ذهبية صفراء!
فتنهد الفتى وقال: إيه منزلي القديم! يا مأوى حداثتي وأحلامي! ...
وفجأة استيقظت في صدره حياته الماضية فتذكر أوجاعه وأفراحه ومرت في مخيلته آماله البعيدة وأحلامه اللذيذة المتصاعدة من ظلمات الماضي، فخيل له أنها تتمتم في مسمعه قائلة: أتعرفنا بعد؟
لم يكن منزل العملة مأوى حداثته الساذجة وشبابه الطافح بالآمال فقط، فكم من فاجعة جرت له بين جدرانه القديمة وكم من مشهد عذب وحادث رهيب!
شرع فريد يسمي الرجال والنساء الذين عاشوا في ذلك المأوى واحدا بعد واحد، فيستيقظ أمامه في كل اسم تاريخ طافح بالذكريات. إن تاريخ منزل العملة هو مختصر تاريخ الإنسانية جمعاء.
بعد فترة قصيرة توارى المنزل عن بصره؛ فنزع أفكاره من تلك التذكارات المحزنة وعزم ألا يفكر إلا في وكالته الجديدة التي عهد بها إليه.
إن المرتب الصغير الذي منحته الشركة لأرملة فارس سمح لها أن تنتظر فريدا حتى ينهي خدمته العسكرية.
من يدري؟ ربما يرتقي فريد إلى وظيفة رئيس في الشركة ... ربما يتوصل إلى وظيفة مفتش للمعادن.
آه! كان أمله الوحيد أن يتمكن من مساعدة أبناء السيدة فارس؛ كان أمله الوحيد أن يرى بطرس ناجحا في عمله، وبولس كاهنا كما تنبأ له الأب يوحنا!
والفتاة الزرقاء، ماذا يحل بها؟ آه! كان يتوقع لها مستقبلا باهرا ويرجو لها زوجا صالحا تصرف معه حياتها بحب وسلام! •••
অজানা পৃষ্ঠা