[١٥] وَبِهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "إِنَّ أَثْقَلُ الصَّلاةِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ صَلاةُ الْعِشَاءِ وَالْفَجْرِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا" ١.
أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ الأَعْمَشِ.
_________
= وبَيَّن الإمام النووي أن هذه الطاعة ليست على عمومها، وكذلك المعصية، وأن ذلك إنما في غير المعصية للخالق جل وعلا. قال: "قال العلماء: معناه تجب طاعة ولاة الأمور فيما يشق وتكرهه النفوس وغيره مما ليس بمعصية، فإن كانت لمعصية فلا سمع ولا طاعة، كما صرح في الأحاديث الباقية، فتحمل هذه الأحاديث المطلقة لوجوب طاعة ولاة الأمور على موافقة تلك الأحاديث المصرِّحة بأنه لا سمع ولا طاعة في المعصية".
ويؤيد ذلك أن الله تعالى قال: ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ ولم يقل: أطيعوا أولي الأمر منكم؛ ليؤذن بأنه لا استقلال لهم في الطاعة استقلال الرسول، ودلت الآية على أن طاعة الأمراء واجبة إذا وافقوا الحق فإذا خالفوه فلا طاعة لهم؛ لقوله ﵊: "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق".
كما بين الإمام البغوي اختلاف العلماء فيما يأمر به الولاة من العقوبات فقال: اختلف الناس فيما يأمر به الولاة من العقوبات؛ قال أبو حنيفة وأبو يوسف: ما أمر به الولاة من ذلك غيرهم يسعهم أن يفعلوه فيما كانت ولايته إليهم. وقال محمد بن الحسن: لا يسع المأمور أن يفعله حتى يكون الذي يأمره عدلًا، وحتى يشهد عدل سواه على أن على المأمور ذلك، وفي الزنا حتى يشهد معه ثلاثة سواه.
وحكي أن عمر بن هبيرة كان على العراق قال لعدة من الفقهاء منهم الحسن والشعبي: إن أمير المؤمنين يكتب إليَّ في أمور أعمل بها، فما تريان؟ قال الشعبي: أنت مأمور، والتبعة على آمرك، فقال للحسن: ما تقول؟ قال: قد قال هذا. قال: قل. قال: اتق الله يا عمر، فكأنك بملَك قد أتاك، فاستنزلك عن سريرك هذا، فأخرجك من سَعَة قصرك إلى ضيق قبرك، فإياك أن تعرض لله بالمعاصي؛ فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
ورُوي عن أبي برزة أنه مر على أبي بكر وهو يتغيظ على رجل من أصحابه، وقيل: إن الرجل كان يسب أبا بكر، فقال أبو برزة: قلت: يا خليفة رسول لله، مَن هذا الذي تتغيظ عليه؟ قال: فلِمَ تسأل عنه؟ قلت: لأضرب عنقه. وفي رواية: قال أبو بكر لأبي برزة: لو قلت لك ذلك أكنت تقتله؟ قال: نعم. قال: ما كان ذلك لأحد بعد رسول الله ﷺ.
ويعقب البغوي على هذا بقوله: "فهذا يؤيد ما قلنا؛ وهو أن أحدًا لا تجب طاعته في قتل مسلم إلا بعد أن يعلم أنه حق إلا رسول الله ﷺ؛ فإنه لا يأمر إلا بحق، ولا يحكم إلا بعدل، وقد يتأول هذا أيضًا على أنه لا يجب القتل في سب أحد إلا في سب رسول الله ﷺ.
[١٥] نسخة وكيع بن الجراح عن الأعمش "ص٦٥ رقم ١١" بهذا الإسناد واللفظ.
خ "١/ ٢١٨" "١٠" كتاب الأذان - "٣٤" باب فضل العشاء في الجماعة - من طريق عمر بن حفص، عن أبيه، عن الأعمش به. رقم "٦٥٧".
م "١/ ٤٥١" "٥" كتاب المساجد ومواضع الصلاة - "٤٢" باب فضل صلاة الجماعة، وبيان التشديد في التخلف عنها - من طريق ابن نمير، عن أبيه، عن الأعمش به، ومن طريق أبي بكر بن أبي شيبة وأبي كريب، عن أبي معاوية. رقم "٢٥٢/ ٦٥٠".
١ وقد روى أبو داود وغيره ما يبين سبب هذا الحديث: عن أبي بن كعب قال: صلى بنا رسول الله ﷺ يومًا الصبح، فقال: "أشاهد فلان؟ " قالوا: لا، قال: "أشاهد فلان؟ " قالوا: لا، قال: "إن هاتين الصلاتين أثقل الصلاة على المنافقين ... " إلخ "أبو داود" رقم "٤٥٤".
1 / 47