وكذلك بنو أنف الناقة، كانوا يفرقون من هذا الاسم، حتى إن الرجل منهم يسأل: ممن هو؟ فيقول: من بني قريع، فيتجاوز جعفرًا أنف الناقة بن قريع بن عوف بن مالك ويلغي ذكره فرارًا من هذا اللقب، إلى أن نقل الحطيئة واسمه جرول بن أوس أجدهم وهو بغيض بن عامر بن لؤي بن شماس بن جعفر أنف الناقة من ضيافة الزبرقان بن بدر إلى ضيافته وأحسن إليه فقال:
سيري أمام فإن الأكثرين حصًا ... والأكرمين إذا ما ينسبون أبًا
قوم هم الأنف، والأذناب غيرهم ... ومن يساوي بأنف الناقة الذنبًا؟
فصاروا يتطاولون بهذا النسب ويمدون به أصواتهم في جهارة.
وإنما سمي جعفر أنف الناقة لأن أباه قسم ناقة جزورًا ونسيه، فبعثته أمه ولم يبق إلا رأس الناقة، فقال له أبوه: شأنك بهذا، فأدخل أصابعه في أنف الناقة وأقبل يجره، فسمي بذلك.
ومثل هاتين القصتين قصة عرابة الأوسي مع الشماخ، وقد تقدم ذكرها.
وممن وضعه ما قيل فيه الشعر حنى انكسر نسبه، وسقط عن رتبته، وعيب بفضيلته بنو نمير، وكانوا جمرة من جمرات العرب، إذا سئل أحدهم: ممن الرجل؟ فخم لفظه ومد صوته وقال: من بني نمير، إلى أن صنع جرير قصيدته التي هجا بها عبيد بن حصين الراعي، فسهر لها، وطالت ليلته إلى أن قال:
فغض الطرف إنك من نمير ... فلا كعبًا بلغت ولا كلابا
فأطفأ سراجه ونام وقال: قد والله أخزيتهم آخر الدهر، فلم يرفعوا رأسًا بعدها إلا نكس بهذا البيت، حتى إن مولى لباهلة، كان يرد سوق البصرة ممتارًا فيصيح به بنو نمير: يا جواذب باهلة، فقص الخبر على مواليه، وقد ضجر من ذلك، فقالوا له: إذا نبزوك فقل لهم:
فغض الطرف إنك من نمير ... فلا كعبًا بلغت ولا كلابا
1 / 50