============================================================
ولما كان من دسائس النفس في الأعمال الجوع والشبع، صرح بهما لخفائهما، وقد جاء شخص إلى الإمام الجنيد- رضي الله عنه - فقال: يا سيدي أنا صرت أتي المعاصي وأنا مشاهد لله عز وجل من كونه خالقأ لتلك المعصية، فقال له الجنيد: هذا تلبيس من الشيطان ولو حققت النظر لوجدت نفسك حال المعصية لا يصح لها مشاهدة الحق تعالى مطلقا، ثم لو قدر أنك شاهدته تعالى لشهدته ساخطا عليك غير راض عنك وهو كلام نف ولا يعرف هذا إلا من تربى على يد شيخ يقطع علائقه أو يقلبها إلى خير، وإلا فمن لازم ذلك كثرة العوائق عن الله حتى آخر العمر، وقد عجز الأكابر فضلا عن غيرهم أن يعرفوا طريق قطع علاتقهم بأنفسهم من غير شيخ فلم يقدروا، فلا يزال الشيخ يأمر بإزالة العوائق واحدا بعد واحد حتى لايبقى إلا واحد فيقول لك أزله وها أنت وحضرة ربك. كما يحتاج ذلك إلى طول زمان وصبر على مأمورات الشيخ، وغالب الناس يرجع من الطريق فلا يحصل من قطع العلائق على طائل. وايضاح ذلك أن طريق السير في الطريق غيب والمريد كالأعمى الذي يريد يسلك طريقا طول عمره ماسلكها، والشيخ كالمسافر الذي سلكها في نور الشمس زمانا طويلا فعرف مهالكها كلها، فهو بتقدير أنه يعمي أو يسير في ظلمة الليل يعرف المهالك الطرق المسدودة كدليل الحاج سواء، فمن سلم للشيخ وانقاد له قطع تلك الطريق ونجا من العطب، ومن لم يسلم للشيخ لايعرف يمشي وربهما وقع في مهلكة، فلم ي عرف يخرج منها حتى يموت، ولولا أنها طريق غيب لايقدر أحد على سلوكها وحده ما كان للدعاة إلى الله فائدة من آنبياء وأولياء وعلماء، فلابد من مزيد خصوصية . وقد أجمع الأشياخ على أنه لو صح لعبد أن يأتي بالمأمورات على الوجه الذي أمره الله تعالى به من غير خلل لما احتاج أحد الى شيخ، لكن لم يصح لهم ذلك فاحتاجوا ضرورة إلى من يبين لهم مراد الحق فلذلك احتاج أتباع المجتهدين إلى المجتهدين ليبينوالهم مراد الشارع، ومقلدو الأتباع إلى من يبين لهم مراد المجتهدين، وهكذا فكل أهل دور يعرفون مراد الدور الذي قبلهم لقربهم منهم، ولو آراد الذين بعدهم أن يعرفوا الواسطة التي قبلهم ويستقلوا بفهم كلام من قبلهم على وجهه، لا يقدرون.
128
পৃষ্ঠা ৫৭