العدة في شرح العمدة في أحاديث الأحكام
تأليف
الإمام علاء الدين علي بن داود بن العطار الشافعي
(المولود سنة ٦٥٤ هـ والمتوفى سنة ٧٢٤ هـ) رحمه الله تعالى
وقف على طبعه والعناية به
نظام محمد صالح يعقوبي
[المجلد الأول]
অজানা পৃষ্ঠা
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
1 / 2
الْعُدَّة فِي شَرْحِ الْعُمْدَة [١]
1 / 3
جَمِيع الْحُقُوق مَحفوظَة
الطبعَةُ الأولى
١٤٢٧ هـ - ٢٠٠٦ م
جمعية الْإِصْلَاح
١٣٦٠ هـ الْبَحْرين ١٩٤١ م
مَشروعُ الْعلم النافع
سلسلَة إصدارات لجنة الْأَعْمَال الْخَيْرِيَّة (١٥)
شركَة دَار البشائر الإسلامية للِطِّباعَةَ والنشر والتوزيع ش. م م
أسَّسها الشَّيْخ رمزي دمشقية رَحمَه الله تَعَالَى سنة ١٤٠٣ هـ - ١٩٨٣ م
بيروت - لبنان ص. ب: ٥٩٥٥/ ١٤ هَاتِف: ٧٠٢٨٥٧
فاكس: ٧٠٤٩٦٣/ ٠٠٩٦١١
e-mail: [email protected]
1 / 4
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
المقدّمَة
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أنْ لا إله إلَّا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
أما بعد:
فيعتبر كتاب "العمدة في الأحكام، في معالم الحلال والحرام، عن خير الأنام محمد ﵊"، ممَّا اتفق عليه الشيخان البُخاريّ ومسلم في "صحيحيهما"، للإمام الحافظ الكبير أبي محمد عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي ﵀، كتابًا مهمًا عز نظيره في هذا الباب، ممَّا حدا بالكثير من العلماء إلى العكوف على شرحه، وبيان أحكامه ومسائله.
وكان في مقدمة الشروح عليه: شرح الشَّيخ الإمام الفقيه أبي الحسن عليّ بن إبراهيم علاء الدين العطار ﵀، المتوفى سنة (٧٢٤ هـ)، أشهر أصحاب الإمام النووي، وأخصهم به، لزمه طويلًا، وانتفع وتخرَّج به، وكتب مصنفاته، واختصر كثيرًا منها، حتَّى صار يعرف بـ: "مختصر النووي".
ويُعدّ كتابه هذا في طليعة شروح العمدة، فقد تكلم فيه على أحاديث العمدة بعبارة سهلة، موضحة من غير تعقيد، أو خلل، أو تقصير، مبينًا فيه الكلام على رواة الأحاديث بذكر أخبارهم، وشيء من مناقبهم، من الكتب المعتمدة، ثم
1 / 5
شرع في الكلام على ألفاظ الحديث وغريبه، وما انطوى عليه الحديث من الاستدلالات الفقهية والأصولية، معتمدًا على كتب شيخه ابن دقيق العيد، والنووي -رحمهما الله-، بجمع مميز، وتحرير للمسائل بفهم دقيق.
فهو شرحٌ جمعَ بين عدة كتب، مضافًا إليها ما انفرد بتحريره وترجيحه.
ومما يزيد في قيمة الكتاب العلمية: أن يرى الباحث نقولًا للعلماء من شرح ابن العطار، هذا، فالشيخ محمد بن أحمد بن مرزوق التلمساني، المتوفى سنة (٧٨١ هـ) له شرح على كتاب "عمدة الأحكام" للإمام عبد الغني المقدسي في خمس مجلدات، سماه: "تيسير المرام في شرح عمدة الأحكام"، قال ابن حجر: جمع فيه بين كلام ابن دقيق العيد، وابن العطار، والفاكهاني، وغيرهم (١).
والحافظ ابن حجر في كتابه "فتح الباري" ينقل عن شرح ابن العطار هذا في مواضع عدة، وكذا السيوطي في "شرح السنن"، والشوكاني في "نيل الأوطار" وغيرهم.
وبالجملة: فقد أخذ الشَّيخ ابن العطار مادة كتابه هذا من شرح النووي على مسلم، وزاد عليه من شرح ابن دقيق العيد على "العمدة" فوائد أخر حسنة، خاصة فيما يتعلق بالمسائل الفقهية والأصولية، على نقيض ما ذكره ابن قاضي شهبة في "طبقات الشافعية" من أن المؤلف أخذ شرح ابن دقيق، وزاد عليه من شرح مسلم فوائد أخر حسنة.
فالكتاب يحمل بين دفتيه الكثير من المسائل، والفوائد الحديثية، والفقهية، واللغوية، ممَّا قد لا يراه المرء في كتب شرح العمدة على الخصوص، وشروح الحديث على العموم.
فحريٌّ بطالب العلم إدامة النظر فيه، والعكوف على قراءته ودرسه وفهمه؛ لما اشتمل عليه من الجمع اللطيف لمسائله المنثورة في بطون الكتب، دون حشو
_________
(١) "كشف الظنون" (٢/ ١١٦٤).
1 / 6
أو تطويل، أو إخلال بالمعنى أو تقصير، مع تحرير وتقرير للمسائل، فجزاه الله خيرًا على صنيعه هذا، ورحمه الله من إمام قدير.
* مصادر الكتاب:
اعتمد المؤلف ﵀ في كتابه هذا على أمهات الكتب المتداولة في عصره، المشتملة على شروح الحديث، وغريب الألفاظ، وتراجم العلماء، وغيرها.
ففي شروح الحديث: كانت مادته الأساسية كتاب شيخه النووي ﵀ "شرح صحيح مسلم"، حتَّى إنه اختصر أشياء كثيرة منه في مواضع كثيرة جدًّا في كتابه هذا.
كما أخذ عن شيخه ابن دقيق العيد من كتابه "شرح عمدة الأحكام"، واختصر منه أشياء كثيرة -أيضًا-.
وأخذ عن الخطابي من كتابه "معالم السنن".
وفي تراجم الرجال: كان "الاستيعاب" لابن عبد البر في سرد أخبار المترجمين، إلى جانب كتب: "الثقات" لابن حبان، و"الكمال في أسماء الرجال" للمقدسي، و"أسد الغابة" لابن الأثير، و"تهذيب الأسماء واللغات" للنووي.
وفي غريب ألفاظ الحديث: كان كتاب "تحرير ألفاظ التنبيه" لشيخه النووي لبنة مادته هذه، إلى جانب "مشارق الأنوار" للقاضي عياض، و"غريب الحديث" لأبي عبيد، و"الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي" للأزهري.
وعلى وجه الإجمال يمكن القول: إن كتب شيخه النووي ﵀ وبخاصة "شرح مسلم"، وكتاب "شرح العمدة" لابن دقيق، كانا الأساس في مادة هذا الكتاب، بل يمكن القول: إنه اختصر مسائل هذين الكتابين وأودعهما في صلب شرحه هذا، والله أعلم.
1 / 7
* النسخ الخطية للكتاب:
وقفنا -بفضل الله تعالى- للكتاب على أربع نسخ خطية:
° الأولى: نسخة مكتبة شستربتي بإيرلندا، وهي مشتملة على مجلدين:
المجلد الأول: وهو برقم (٣٧٥٥)، ويبدأ من أول الكتاب، وينتهي عند قوله:
"ونقل عن بعض المتقدمين فيها دخول البدنة بعد الرقبة إذا تعذرت، رواه عطاء، عن سعيد، وقيل: إن سعيدًا أنكره، والله أعلم، من شرح الحديث السابع عن أبي هريرة ﵁ في باب: الصوم، وقد جاء في نهاية الجزء: أنه قوبل على نسخة المؤلف - عفا الله عنه -، ونسخة موسى بن إبراهيم، سنة (٧٦٠ هـ) في الثامن والعشرين من شهر الله المحرم منه.
المجلد الثاني: ويبدأ من باب: الصوم في السفر وغيره، وينتهي بآخر الكتاب وهذه النسخة فيها طمس في بعض أوراقها.
ورمزنا لهذه النسخة بحرف "ش".
° الثَّانية: نسخة مكتبة برنستون، وتشتمل على الجزء الثاني من الكتاب، تبدأ من أول باب الصداق، وتنتهي بآخر الكتاب.
ولم يعرف ناسخها، إلَّا أن الفراغ من نسخها كان سنة (٧٩٦ هـ).
ورمزنا لها بحرف "ب".
° الثالثة: نسخة المكتبة الأحمدية بحلب، برقم (٦٢٧)، والمنقولة إلى مكتبة الأسد الوطنية بدمشق، برقم (١٦٢٥٤)، وتبدأ من أول الكتاب، وتنتهي عند قوله: "وأنه سبحانه واحد في ذاته وصفاته ومخلوقاته، ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين" من الحديث الحادي عشر عن ابن عمر ﵄:
1 / 8
"نهى رسول الله ﷺ عن الوصال ... " من باب: الصوم في السفر وغيره.
ونسخها إسماعيل الدرعي الشافعي، سنة (٨٠٥ هـ).
وقد جاء في آخرها: كتبت هذه النسخة من نسخة بخطِّ المنتصف، وقوبلت عليها، فصارت أصلًا معتمدًا بتاريخ (٨٠٦ هـ).
ورمزنا لها بحرف " ح ١".
° الرابعة: نسخة المكتبة الأحمدية بحلب، برقم (٦٢٨)، والمنقولة إلى مكتبة الأسد الوطنية بدمشق، برقم (١٦٢٥٥)، وتبدأ من أول كتاب: الصوم، وتنتهي بآخر الكتاب.
نسخها أبو بكر بن عبد الرحمن بن عليّ الشيباني الشَّهير بابن طليس، سنة (٨٠١ هـ).
ورمزنا لها بحرف "ح ٢".
* منهج التحقيق:
لقد تمَّ العمل في هذا الكتاب على النحو التالي:
١ - نسخ المخطوط بالاعتماد على نسخة "شستربتي"، ثم المقابلة بينها وبين نسختي حلب (١) و(٢)، ونسخة برنستون.
٢ - تخريج الأحاديث النبوية الواردة في الكتاب على الشكل التالي:
- أحاديث المتن: وهي مقصورة على "صحيحي البُخاريّ ومسلم"، فقد تم العزو إليهما برقم الحديث، واسم الكتاب والباب، اللذين ورد فيهما الحديث، مع التنبيه إلى صاحب اللفظ الذي ساقه صاحب المتن، فيقال مثلًا: "وهذا لفظ البُخاريّ".
ولما كان صاحب "العمدة" قد وقع في أوهام عدة في عزوه أو سياقه للأحاديث التي جمعها من "الصحيحين"؛ كان لزامًا التنبيه على ذلك؛ نظرًا لترك الشارح التعقيب عليها.
1 / 9
- أحاديث الشرح: إن كان الحديث في "الصحيحين"، أو في أحدهما، اكتفينا بالعزو إليهما دون غيرهما، وكذلك إن كان الحديث في السنن الأربعة، أو أحدها، وإلا ففي كتب المسانيد والسنن والصحاح الأخرى، مع الإشارة إلى أسماء رواتها، وصاحب اللفظ.
ولقد كان هذا التخريج من العسر بمكان؛ بسبب نقل المؤلف للأحاديث التي يذكرها من غير مصادرها الأساسية، وإنما من كتب الشروح والفقه، والتي غالبًا ما تعتني بمعاني الأحاديث أو المقاربة فيها، على ألفاظها المخرَّجة في كتب أصحابها.
٣ - تخريج الآثار الواردة في الكتاب من الكتب المعتمدة في هذا؛ كـ "مصنف عبد الرزاق"، و"مصنف ابن أبي شيبة"، و"سنن البيهقي الكبرى"، وغيرها.
٤ - توثيق تراجم الصحابة، من الكتب المعتمدة، والأصول المعتبرة، التي اعتنت بتراجمهم وأحوالهم وأخبارهم، ومما يقاربها من كتب التراجم الأخرى، والطبقات، ونحوها.
٥ - توثيق ما يذكر من غريب الحديث بالعزو إلى المصدر الذي استقى منه الشارح مادته، مضافًا إليه كتب غريب الحديث، ومعاجم اللغة الأخرى المقدمة في هذا الباب.
٦ - عزو الأقوال والمذاهب الفقهية التي ذكرها المؤلف إلى قائلها من كتب الأصول التي ذكرتها، على نقيض صنيع الشارح؛ حيث يختصرها من كتب شيوخه وينسبها إلى قائليها، ويسردها سردًا، فكان في هذا عناء كبير في الرجوع في عزو الأقوال وغيرها إلى أصحابها.
٧ - تخريج الأبيات الشعرية من دواوين الشعر، وكتب الأدب المفردة في عزو ونسبة الشعر.
1 / 10
٨ - ذكر أسماء بعض الأماكن الواردة في الأحاديث وتعيينها من "معجم البلدان" لياقوت الحموي، و"تهذيب الأسماء واللغات" للنووي، وغيرها.
٩ - التعريف بالكتب غير المطبوعة؛ بذكر أسماء مؤلفيها، ووفاتهم، ومادة كتابهم إن وجدت، مع الإشارة إلى المصدر، أو المصادر التي ذكرته.
* * *
* هذا ويسرُّ "لجنة الأعمال الخيرية بجمعية الإصلاح بمملكة البحرين" أن تقدم للعالم الإسلامي وطلبة العلم خصوصًا هذا الكتاب القيِّم.
وإننا في هذه اللجنة نفتح الباب لإخواننا المحسنين للمساهمة في دعم مثل هذه المشروعات التي تنشر العلم النافع، فيعم خيره المسلمين في شتى البقاع والآفاق.
* ولا يفوتنا في ختام هذا المقام أن نتقدم بالشكر الجزيل والتقدير الأثيل للأخ الشَّيخ نور الدين طالب -من دمشق المحروسة- على جهوده الحثيثة معنا في خدمة هذا الكتاب، وتشجيعه ومتابعته العمل، جزاه الله عنا خير الجزاء، وجعل ذلك في ميزان حسناته يوم يلقاه.
هذا ونسأل الله التوفيق لما يحبه ويرضاه، وأن يتقبل منا هذا العمل، ويجعله خالصًا لوجهه الكريم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى الله وصحبه وسلم.
قاله وكتبه خادم العلم والعلماء بمملكة البحرين
نظام محمد صالح يعقوبي
عضو مجلس إدارة لجنة الأعمال الخيرية بجمعية الإصلاح
1 / 11
تَرْجَمَةُ المؤَلِّف
* اسمه ونسبه:
هو الإمامُ، العالم، المحدث، الحافظ، الفقيه، المفتي، المتكلم، الصالح، بقية السلف، الزَّاهد: عليّ بن إبراهيم بن داود بن سلمان بن سليمان، علاءُ الدين، أبو الحسنِ ابن العطار، الدمشقيُّ، الشافعيِّ.
كان أبوهُ عَطَّارًا يلقب: موفق الدين، وجَدُّهُ طبيبًا.
* ولادته ونشأته:
ولد يوم الفطر سنة أربع وخمسين وست مئة.
وسمع من خلائق كثيرين، ورحل إلى بلدان كثيرة، وسمع بها من عدة أشياخ يزيدون على المئتين.
حفظ القرآن في سن مبكرة، وتفقَّه بالإمام النووي ﵀، ولازمه مدة طويلة، وقرأ عليه "التنبيه" تصحيحًا وضبطًا، وعرضًا وشرحًا، كما قرأ عليه علم الحديث في "مختصره" المشهور، وغيره تصحيحًا وضبطًا وشرحًا، وبحثًا وتعليقًا خاصًّا وعامًّا، وقرأ عليه كتبًا غيرها؛ حتَّى صار يلقب بـ "مختصر النووي"، وقد يختصر فيقال: "المختصر".
كما أخذ الفقه عن الإمام ابن دقيق العيد، وتأثر به، وقرأ العربية عن جمال الدين بن مالك صاحب "الألفية"، وعن غيرهم، كما سيأتي في ذكر شيوخه.
1 / 13
* تدريسُهُ وإفادتُهُ:
باشر ابن العطار ﵀ مشيخة النووي من سنة أربع وتسعين وسبع مئة إلى أن توفي ﵀، مدة ثلاثين سنة، كما درس بالقوصية بالجامع، وولي مشيخة العلمية.
نسخ الأجزاء، ودار مع الطلبة، وغلب عليه الفقه، ودَرَّسَ وأفتى سنين، وانتفع به النَّاس، وكتب الكثير، وحمله، واشتهر ذكره بين النَّاس.
قال الذهبي -وهو أخوه لأمه من الرضاعة-: وهو الذي استجاز لي ولأبي من الصَّيْرفيُّ، وابن الخير، وعِدَّة.
وقال أيضًا: خَرَّجتُ له "معجمًا" في مجلد انتفعتُ به، وأحسن إلي باستجازته لي كبارَ المشيخة.
وقد انتفع الذهبي بعد ذلك بهذه الإجازة انتفاعًا شديدًا.
وذكر السبكي أنه نيّف فيه على ثمانين شيخًا.
وقد سمع هذا "المعجم": الشَّيخ كمال الدين بن الزملكاني بقراءته، وابن الفخر، وابن المجد، والبرزالي، والمقاتلي.
ثم قال الذهبي: وصنف أشياء مفيدة، وكان صاحب معرفة حسنة، وأجزاء وأصول.
وقال ابن كثير: له مصنفات، وفوائد، ومجاميع، وتخاريج.
وكانت له ﵀ محاسن جمة، وزهد وتعبد، وأمر بالمعروف، على قسوة في أخلاقه، وله أتباع ومحبون.
تنبيه: ذكر الحافظ ابن حجر في "الدرر الكامنة" في ترجمة ابن العطار ﵀ نقيصةً بحقه، لا ينبغي ذكرها؛ لما فيها من غمزٍ لهذا الإمام، فقال: "ولم يكن بالماهر مثل الأقران الذين نبغوا في عصره، حتَّى إنه عُقِدَ مجلسٌ، فحضره العلماء، فأحضر هو في محفّته، فلما رآه الزملكاني قال: من قال لكم تحضرون هذا، نحن طلبنا أقماع العلماء، ما قلنا لكم تحضرون الصلحاء؟! ".
1 / 14
قلت: كلام الزملكاني -إن صحَّ النقل عنه- فيه نظر وتعقب، فإما أن يكون خرج مخرج كلام الأقران في بعضهم، وهذه مسألة مشتهرة بين العلماء، أو يكون له نظرة ورأي في علم ابن العطار، ولكلٍّ وجهة هو موليها.
لكن ممَّا يطمئننا إلى رسوخ قدم ابن العطار في العلم ما ذكره في كتابه "تحفة الطالبين" في ترجمة شيخه النووي، قال: وأذن لي -أي: شيخه النووي ﵁، في إصلاح ما يقع في تصانيفه، فأصلحت في حضرته أشياء، فكتبه بخطه، وأقرني عليه، ودفع إليَّ دُرْجًا فيه عدة الكتب التي كان يكتب فيها، ويضيف بخطه، وقال لي: إذا انتقلتُ إلى الله تعالى، فأتمَّ "شرح المهذب" من هذه الكتب، فلم يُقَدَّرْ لي ذلك.
فهذا الإمام النووي ﵀ لو لم يعلم من تلميذه القدرة والكفاءة في العلم، لما أذن له في إصلاح الغلط، وإتمام "شرح المهذب". والله أعلم بالصواب.
* شيوخه:
١ - الشَّيخ الإمام يَحْيَى بن زكريا النووي:
وقد لازمه كثيرًا، وهو أشهر أصحابه، وأخصُّهم به، فكانت صحبته له دون غيره من أول سنة سبعين وست مئة وقبلها بيسير إلى حين وفاته، وقرأ عليه الفقه والحديث، وكتب من مصنفاته كثيرًا، وبيض منها، حتَّى كان يقال له: "مختصر النووي"، أو "المختصر".
وقد ذكر ابن العطار بعضًا من ملازمته للشيخ، فقال: وكان ﵀ رفيقًا بي، شفيقًا عليّ، لا يمكِّن أحدًا من خدمته غيري، على جهد مني في طلب ذلك منه، مع مراقبة لي ﵁ في حركاتي وسكناتي، ولطفه بي في جميع ذلك، وتواضعه معي في جميع الحالات، وتأديبه لي في كل شيء، حتَّى الخطوات، وأعجز عن حصر ذلك، وقرأت عليه كثيرًا من تصانيفه ضبطًا وإتقانًا، وأمرني ببيع كراريس نحو ألف كراس بخطه، وأمرني بأن أقف على
1 / 15
غسلها في الورَّاقة، وخوّفني إن خالفت أمره في ذلك، فما أمكنني إلَّا طاعته، وإلى الآن في قلبي منها حسرات.
وقد أفرد ابن العطار ترجمة شيخه النووي بالتَّصنيف، والذي اعتمد عليه السخاوي في ترجمة النووي أيضًا، فقال السخاوي عن كتاب ابن العطار: وهو عمدتي، بل عمدةُ كل من أتى بعده.
٢ - الإمام العلامة المحقق ابن دقيق العيد:
قرأ عليه الفقهَ في القاهرة، وشرحَ "عمدةِ الأحكام" له، واستفاد من شرحه على "العمدة"، فنقل منه في مواضع كثيرة.
٣ - الشَّيخ أبو عبد الله محمد الظهير الحنفي الإربلي، شيخ الأدب في وقته.
٤ - الشَّيخ الأديب الفاضل رشيد الدين أبو حفص إسماعيل بن مسعود الفارقي، شيخ الأدب في وقته.
٥ - الشَّيخ العلامة، حجة العرب، شيخ النحاة، أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن مالك الجياني.
٦ - شيخ الإسلام شمس الدين أبو محمد عبد الرحمن بن أبي عمر المقدسي الحنبلي، شيخ الحنابلة.
٧ - الشَّيخ العلامة، قدوة الوقت، أبو محمد عبد السلام بن عليّ بن عمر الزواوي، شيخ المالكية.
٨ - الشَّيخ العلامة، قدوة الوقت، ذو العلوم، أبو بكر بن محمد بن أحمد السويسي المالكي.
٩ - الشَّيخ العارف، القدوة، أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الله، المعروف بابن الأرمني.
١٠ - الشَّيخ المفتي أبو حامد محمد بن عبد الكريم بن الحرستاني، خطيب دمشق وابن خطيبها.
1 / 16
١١ - الشَّيخ العلامة، شيخ الأدب، أبو عبد الله محمد بن عمر بن شاكر الحنفي الإربلي.
١٢ - الشَّيخ عماد الدين أبو عبد الله محمد بن أمين الدين سالم بن الحسن بن هبة الله بن محفوظ التغلبي البلدي.
١٣ - الشَّيخ العارف المحقق أبو عبد الرحيم الأخميمي.
١٤ - الشَّيخ العارف، القدوة، ولي الدين أبو الحسن عليّ، المقيم بجامع "بيت لهيا" خارج دمشق.
١٥ - الشَّيخ أبو الحسن كمال الدين سلّار بن الإربلي ثم الدّمشقيُّ.
١٦ - الشَّيخ أبو المفاخر محمد بن عبد القادر الأنصاري.
١٧ - الشيح ياسين بن يوسف المراكشي.
١٨ - ابن عبد الدائم.
١٩ - ابن أبي اليسر.
٢٠ - عبد العزيز بن عبد الله.
٢١ - الجمال الصَّيْرفيُّ، ويعرف بابن الحبيشي.
٢٢ - ابن أبي الخير سلامة بن الحداد.
٢٣ - الجمال محمد بن إسماعيل بن عساكر.
٢٤ - الشمس بن هامل محمد بن عبد المنعم الحراني.
٢٥ - أبو بكر محمد بن التنسي.
٢٦ - يوسف بن عمر الزبيدي، خطيب بيت الأبار.
٢٧ - محمد بن عمرو.
٢٨ - أحمد بن عبد السلام التميمي، ابن أبي عصرون.
٢٩ - أحمد بن هبة الله الكهفي.
٣٠ - الكمال بن فارس المقري.
1 / 17
٣١ - حسن الصقلي.
٣٢ - الفقيه زهير الزرعي.
٣٣ - القاضي أبو محمد بن عطاء الأذرعي.
٣٤ - مدلّلة بنت الشيرجي.
٣٥ - عبد الخالق بن عبد السلام، ابن علوان المقري.
٣٦ - يوسف بن إسحاق الطبري.
٣٧ - أبو اليمن بن عساكر عبد الصمد بن عبد الوهاب.
٣٨ - أحمد بن محمد النقبي.
٣٩ - قطب الدين الزهيري.
٤٠ - عماد الدين عبد الحافظ.
٤١ - أحمد بن إسحاق، الأبرقوهي.
٤٢ - أبو عبد الله محمد بن أبي الفتح البعلي الحنبلي الفاضل، وسمع منه (١).
* آثاره العلمية:
١ - "تحفة الطالبين في ترجمة الإمام النووي".
طبع بعناية الدكتور: فؤاد عبد المنعم، ونشرته: مؤسسة شباب الجامعة بالإسكندرية.
٢ - "فتاوى الإمام النووي" قام بترتيبه.
طبع بعناية الشَّيخ محمد الحجار، ونشرته: دار البشائر الإسلامية ببيروت،
_________
(١) قلنا سابقًا: إن الإمام الذهبي قام بتأليف معجم لشيوخ ابن العطار، أوصل فيه شيوخه إلى ثمانين شيخًا، إلَّا أننا لم نقف على أثر لهذا المعجم، ولهذا قمنا بجمع مشيخة له من كل المصادر المتوفرة لترجمته، وخاصة كتابه عن شيخه النووي "تحفة الطالبين"، فوصلنا إلى عدد يقارب نصف المشيخة، ولا يوجد هذا الجمع -بفضل الله تعالى- في أي مصدر من مصادر ترجمة ابن العطار.
1 / 18
وطبع بعناية محمد رحمة الندوي، مراجعة محمد محيي الدين الأصفر، وقام بنشره المكتب الإسلامي.
٣ - "حكم صوم رجب وشعبان وما الصواب فيه".
طبع بعناية الأستاذ زهير الشاويش، ونشره: المكتب الإسلامي بيروت.
٤ - "شرح عمدة الحافظ وعدة اللافظ" لابن مالك.
طبع في: دار الفكر العربي بالقاهرة.
٥ - "اختصار نصيحة أهل الحديث" للخطيب البغدادي.
وقد طبع بالهند، كما ذكر الكتاني في "فهرسته".
٦ - "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق، المسمّى بـ "العدّة شرح العمدة"، وهو هذا الكتاب الذين بين يديك.
٧ - "فضل الجهاد".
٨ - "حكم البلوى وابتلاء العباد".
٩ - "حكم الأخبار والاحتكار عند فقد غلاء الأسعار".
١٠ - "معجم الشيوخ".
وقد خرَّجها له الذهبي؛ كما ذكر في "معجمه".
١١ - "رسالة في أحكام الموتى وغسلهم".
١٢ - "آداب الخطيب".
١٣ - "الاعتقاد الخالص من الشك والانتقاد".
١٤ - "الوثائق المجموعة".
١٥ - "أصول أهل السنة في الاعتقاد".
* ثناء العلماء عليه:
١ - قال الذهبي: الشَّيخ، العالم، المحدث، المفتي، بقية السلف، كانت له محاسن جمة، وزهد وتعبد وأمر بالمعروف، وله أتباع ومحبون.
1 / 19
٢ - وقال ابن كثير: الشَّيخ الإمام العالم.
٣ - وقال الصفدي: الإمام المفتي المحدث الصالح بقية السلف.
٤ - وقال ابن العماد: الحافظ الزَّاهد.
٥ - وممّن عدّه في الحفّاظ: العلامة ابن ناصر الدين في كتابه "التبيان شرح بديعة البيان" كما ذكر ابن العماد.
٦ - وقال ابن تغري بردي: الشَّيخ الإمام العالم الزَّاهد الحافظ المحدث.
٧ - وقال الكتاني: بقية السلف، العالم المحدث المعتني.
* مرضه ووفاته:
أصيب بالفالج سنة (٧٠١ هـ)، وبقي على ذلك أزيد من عشرين سنة، وكان يُحمل في مَحَفَّة ويُطاف به، إلى أن توفي في ذي الحجة سنة أربع وعشرين وسبع مئة -رحمه الله تعالى، ورضي عنه-.
* مصادر ترجمته:
١ - "تذكرة الحفَّاظ" للذهبي (٤/ ١٥٠٤ - ١٥٠٥).
٢ - "معجم شيوخ الذهبي" (ص: ٣٥٢ - ٣٥٣).
٣ - "البداية والنهاية" لابن كثير (١٤/ ١١٥).
٤ - "طبقات الشافعية الكبرى" للسبكي (١٠/ ١٣٠).
٥ - "الوافي بالوفيات" للصفدي (٢٠/ ١٠).
٦ - "طبقات الشافعية" لابن قاضي شهبة (٢/ ٢٧٠).
٧ - "الدرر الكامنة" لابن حجر (٣/ ٥ - ٧).
٨ - "النجوم الزاهرة" لابن تغري بردي (٩/ ٢١٦).
٩ - "الدارس في تاريخ المدارس" للنعيمي (١/ ٦٨ - ٧١).
١٠ - "مرآة الجنان" لليافعي (٤/ ٢٠٤ - ٢٠٥).
1 / 20
١١ - "شذرات الذهب" لابن العماد (٨/ ١١٤ - ١١٥).
١٢ - "كشف الظنون" (١/ ٣٦٨) (٢/ ١١٧٠).
١٣ - "هدية العارفين" (١/ ٧١٧).
١٤ - "إيضاح المكنون" (٢/ ١٥٧).
١٥ - "فهرس الفهارس" للكتاني (٢/ ٨٢٩).
١٦ - "الأعلام" للزركلي (٤/ ٢٥١).
١٧ - "معجم المؤلفين" لكحالة (٢/ ٣٨٧).
* * *
1 / 21