نقض أصول العقلانيين
نقض أصول العقلانيين
প্রকাশক
دار علوم السنة
জনগুলি
فالأدلة السمعية لم يردها من ردها لضعف فيها وفي مقدماتها، لكن لاعتقاده أنها تخالف العقل، بل كثير من الأدلة السمعية التي يردّونها تكون أقوى بكثير من الأدلة السمعية التي يقبلونها، وذلك لأن تلك لم يقبلوها لكون السمع جاء بها، لكن لاعتقادهم أن العقل دل عليها، والسمع جعلوه عاضدًا للعقل، وحجة على من ينازعهم من المصدّقين بالسمع، لم يكن هو عمدتهم ولا أصل علمهم، كما صرح بذلك أئمة هؤلاء المعارضين لكتاب الله وسنة رسوله بآرائهم.
وإذا كان كذلك، تبين أن ردهم الأدلة السمعية المعلومة الصحة بمجرّد مخالفة عقل الواحد، أو لطائفة منهم، أو مخالفة ما يسمونه عقلًا لا يجوز، إلا أن يبطلوا الأدلة السمعية بالكلية، ويقولون: إنها لا تدل على شيء، وإن أخبار الرسول عما أخبر به لا يفيد التصديق بثبوت ما أخبر به، وحينئذٍ فما لم يكن دليلًا لا يصلح أن يُجْعل معارضًا.
والكلام هنا إنما هو لمن علم أن الرسول صادق، وأن ما أخبر به ثابت، وأن إخباره لنا بالشيء يفيد تصديقًا بثبوت ما أخبر به، فمن كان هذا معلومًا له امتنع أن يجعل العقل مقدمًا على خبر الرسول ﷺ بل يضطره الأمر إلى أن يجعل الرسول يكذب أو يخطئ في الخبريات، ويصيب أو يخطئ أخرى في الطلبيات. وهذا تكذيب للرسول، وإبطال لدلالة السمع، وسد لطريق العلم بما أخبر به الأنبياء والمرسلون، وتكذيب بالكتاب وبما أرسل الله تعالى به رسله.
وغايته إن أحسن المقال: أن يجعل الرسول مُخبرًا بالأمور على خلاف حقائقها لأجل نفع العامة. ثم إذا قال ذلك امتنع أن يستدل بخبر الرسول على شيء، فعاد الأمر جذعًا؛ لأنه إذا جوز على خبر الرسول التلبيس كان كتجويزه عليه الكذب. وحينئذٍ فلا يكون مجرّد إخبار الرسول موجبًا للعلم بثبوت ما أخبر به، وهذا –وإن كان زندقة وكفرًا وإلحادًا – فهو باطل في نفسه.
4 / 27