دعاوى النصارى في مجيء المسيح عليه السلام
دعاوى النصارى في مجيء المسيح عليه السلام
প্রকাশক
مطابع جامعة أم القرى
সংস্করণের সংখ্যা
*
জনগুলি
دعاوى النصارى في مجيء المسيح ﵇
د. سعود بن عبد العزيز الخلف.
أستاذ مشارك – قسم العقيدة – كلية الدعوة وأصول الدين – الجامعة الإسلامية
ملخص البحث
الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله محمد وعلى آله وصحبه وسلم وبعد:
فإن بحث "دعاوى النصارى في مجيء المسيح ﵇ يكشف عن اضطراب النصارى في هذه الدعوى كسائر تقريراتهم الدينية فقد كانوا بعد رفع المسيح ﵇ على أمل في مجيئه ودعوته قريبا.
وكثر كلامهم في هذا الموضوع حتى ظن بولس أن المسيح سيعود وهو حي وأنه سيرتفع معه إلى السماء ولا زال هذا هاجسا لهم إلى أن ارتقع الاضطهاد عنهم فزالت عنهم حالة الترقب التي يقويها في الغالب الخوف والضعف فأعرض الجمهور الأعظم منهم عن هذه الدعوى وزعموا أن مجيئه إنما يكون للقيامة وخالفهم في ذلك طوائف أخرى جعلوا جل نشاطهم في إظهار ذلك الأمر وادعوا أن المسيح سيعود قريبا ويقيم حكما لمدة ألف سنة على الأرض بعدها تكون القيامة بعد أن يقضى على الدجال ويأجوج ومأجوج والشيطان.
وبدراسة أقوالهم يتبين أن النصارى ينطلقون في دعاويهم من أمرين:
أولا: نصوص ليست ثابتة في أصلها وليست واضحة في مدلولها بل ربما تكونألغازا مستغلقة لا يمكن فك رموزها إلابضرب من التخمين.
ثانيا: فهوم خاصة تنبع من الأهواء المستحكمة.
وقد قمت في هذه الدراسة بتفصيل هذا كله ليكون المسلم أكثر حمدا وشكرا لله تعالى بما أنعم على المسلمين من الهداية إلى دينه القويم وصراطه المستقيم. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
1 / 343
مقدم
_________
ة
إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل الله، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وبعد.
فإن نزول المسيح ﵇ في آخر الزمان كما هو الاعتقاد الحق لدينا نحن المسلمين، من العقائد التي يشاركنا فيها من وجه كلٌ من النصارى واليهود، وهو من الموضوعات - بالنسبة للنصارى واليهود - القديمة المعاصرة، بمعنى أن الاعتقاد بنزوله ﵇ لمَّا صار مستقرًا في أذهانهم ولم يتحدد له وقت معين بصورةٍ مؤكدة، صار أصحاب كل من الديانتين في ترقبٍ شبه دائم، مع بروز الدعوات عن قرب مجيئه وأنه وشيك، حيث تسمع المناداة بقرب مجيئه في كثيرٍ من شوارع الغرب التي يجوبها بعض متحمسيهم، بل إنني أذكر أن أحد الإخوة في فرنسا كان يسكن في بيت عجوزٍ فرنسية، فسألته مرةً عن حالها، فأخبرني أنها امرأة متمسكة بدينها وأنها لم تتزوج قط، وأخبرني أنه من الغريب في شأن هذه المرأة أنها تعتقد أنها لن تموت؟! وإنما سيأتي المسيح قريبًا فيأخذها إليه، وهي في انتظارٍ دائمٍ لهذا الحدث السعيد. فقلت: سبحان الله كيف تَزيَّن الباطل لأهله
1 / 344
فصاروا يرونه حسنًا وصدق الله القائل: ﴿كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الأنعام ١٠٨] .
وقوله تعالى: ﴿أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ [فاطر ٨] .
واليهود كذلك ينتظرون المسيح بلهفٍ شديدٍ وترقبٍ دائم، حتى إن من حاخاماتهم من كان يقول لأهله إذا أراد النوم: إذا جاء المسيح المخلص وأنا نائمٌ فأيقظوني دون تردد، ومنهم من جعل غرفةً خاصةً في بيته ووضع فيها كل غالٍ وثمين، ولا يسمح لأحدٍ بدخولها يسميها "غرفة المسيح" ١،بل إن بعض الكَّتاب يرى أن من أكبر دوافع الغرب وخاصةً أمريكا في دعم اليهود للتجمع في فلسطين وحماسهم للدفاع عنهم، هو اعتقادهم أنهم بهذا يمهدون الطريق لسرعة مجيء المسيح.٢
هذه التصورات والأعمال مبنية على اعتقاداتٍ لدى القوم، فأحببت أن أكتب في هذا الموضوع بالنسبة للنصارى أولًا، فأجلّيَ موقفهم الديني من مجيء المسيح ﵇ وأبين بالتالي أن كثيرًا مما ادعوه باطلٌ بناءً على بطلان مصادرهم وبطلان مفهومهم لها.
وقد قسمت هذا البحث إلى فصلين وخاتمة:
الفصل الأول: في دعاوى النصارى في مجيء المسيح ﵇.
وفيه مقدمة وثلاثة مباحث:
المقدمة وفيها: أدلة النصارى على المجيىء.
المبحث الأول: الذين قالوا بمجيئه بعد وقت قصير من ارتفاعه.
1 / 345
المبحث الثاني: الذين قالوا بمجيئه قبل القيامة، وأنه يؤسس ملكًا على الأرض مدته ألف سنة. وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: كيفية مجيئه.
المطلب الثاني: علامات مجيئه.
المطلب الثالث: الحوادث التي تقع بعد الألف سنة.
المبحث الثالث: من يرى أن مجيء المسيح إنما هو للقيامة والحساب وأنه لايؤسس ملكًا على الأرض. وفيه مطلبان:
المطلب الأول: العلامات التي يتفقون عليها.
المطلب الثاني: العلامات التي يختلفون فيها.
الفصل الثاني: الرد على النصارى في دعاوى المجيء. وفيه مبحثان:
المبحث الأول: بطلان المصادر المعتمدة إجمالًا. وفيه مطلبان:
المطلب الأول: العهد القديم، وإنكار طائفة من اليهود والنصارى لقدسيته.
المطلب الثاني: العهد الجديد، وإقرار كثير من النصارى بجهالة كتاب تلك الكتب.
المبحث الثاني: في بطلان مااستدلوا به على دعاويهم في المجيء سندًا ومتنًا. وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: سفر دانيال.
المطلب الثاني: رسائل بولس.
المطلب الثالث: سفر رؤيا يوحنا.
ثم الخاتمة: وفيها أهم نتائج البحث.
1 / 346
هذا وأسأل الله ﷿ أن يهدينا سواء السبيل، وأن يقينا الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يجعل عملي هذا خالصًا لوجهه، إنه جوادٌ كريم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
الفصل الأول: دعاوى النصارى في مجيء المسيح ﵇ مقدمة: يعتقد النصارى أن المسيح ﵇ قد صلبه اليهود، ومات على الصليب، ثم أُنزل من الصليب، وبعد دفنه فيما يقولون بثلاثة أيام ٣ قام من قبره، ثم ظهر للتلاميذ، وزعموا أنه بقي معهم أربعين يومًا، ثم ارتفع إلى السماء، وهم ينظرون، وهم يستندون في ذلك على نصوص تدل على عودته ونزوله مرة أخرى. من هذه النصوص: ما ورد في "إنجيل يوحنا" ١٤/٢-٣ أن المسيح قال لهم: "في بيت أبي منازل كثيرة وإلا فإني كنت قد قلت لكم أنا أمضي لأعد لكم مكانًا، وإن مضيت وأعددت لكم مكانًا آتي أيضًا وآخذكم إليّ حتى حيث أكون أنا تكونون أنتم أيضًا". وفي "سفرأعمال الرسل" ١/١١ بعد ارتفاع المسيح ﵇ ذكروا أن ملكين قالا لتلاميذه: "أيها الرجال الجليليون ما بالكم واقفين تنظرون إلى السماء، إن يسوع هذا الذي ارتفع عنكم إلى السماء سيأتي هكذا كما رأيتموه منطلقًا إلى السماء".
الفصل الأول: دعاوى النصارى في مجيء المسيح ﵇ مقدمة: يعتقد النصارى أن المسيح ﵇ قد صلبه اليهود، ومات على الصليب، ثم أُنزل من الصليب، وبعد دفنه فيما يقولون بثلاثة أيام ٣ قام من قبره، ثم ظهر للتلاميذ، وزعموا أنه بقي معهم أربعين يومًا، ثم ارتفع إلى السماء، وهم ينظرون، وهم يستندون في ذلك على نصوص تدل على عودته ونزوله مرة أخرى. من هذه النصوص: ما ورد في "إنجيل يوحنا" ١٤/٢-٣ أن المسيح قال لهم: "في بيت أبي منازل كثيرة وإلا فإني كنت قد قلت لكم أنا أمضي لأعد لكم مكانًا، وإن مضيت وأعددت لكم مكانًا آتي أيضًا وآخذكم إليّ حتى حيث أكون أنا تكونون أنتم أيضًا". وفي "سفرأعمال الرسل" ١/١١ بعد ارتفاع المسيح ﵇ ذكروا أن ملكين قالا لتلاميذه: "أيها الرجال الجليليون ما بالكم واقفين تنظرون إلى السماء، إن يسوع هذا الذي ارتفع عنكم إلى السماء سيأتي هكذا كما رأيتموه منطلقًا إلى السماء".
1 / 347
وفي "إنجيل متى" ١٦/٢٨ ذكروا عن المسيح أنه قال لهم: "الحق أقول لكم إن من القيام هاهنا قومًا لا يذوقون الموت حتى يروا ابن الإنسان آتيًا في ملكوته".
وقد ركز "بولس" كثيرًا على دعوى مجيء المسيح وقربها جدًا، حتى زعم أن المسيح سيأتي وهو حي فقال في رسالته إلى "كورنثوس الأولى" ١٥/٥١ - ٥٢ "هو ذا سر أقوله لكم لا نرقد كلنا ولكننا نتغير في لحظة في طرفة عينٍ عند البوق الأخير، فإنه سيبوق فيُقام الأموات عديمي فساد ونحن نتغير".
وهكذا زعم أيضًا في رسالته إلى "تسالونيكى" ٤/ ١٥ - ١٧ حيث قال: "فإننا نقول لكم بكلمة الرب إننا نحن الأحياء الباقين إلى مجيء الرب لا نسبق الراقدين، لأن الرب نفسه بهتاف بصوت رئيس ملائكة، وبوق الله سوف ينزل من السماء والأموات في المسيح سيقومون أولًا، ثم نحن الأحياء الباقين سنخطف جميعًا معهم في السحب لملاقاة الرب في الهواء، وهكذا نكون كل حين مع الرب".
كما تكرر في "سفر الرؤيا" تأكيد المجيء الثاني وأنه مجيءٌ سريع حيث يقول: "ها أنا آتي سريعًا" ٣/١١، ١٢٧/١٢، ٢٠.
فهذه النصوص يقرر من خلالها النصارى أن المسيح ﵇ سيأتي مرةً ثانية، إلا أنهم اختلفوا في وقت مجيئه إلى أقوالٍ عديدةٍ نذكرها في المباحث التالية ونبين ما في تلك الأقوال من الأخطاء والانحرافات: -
1 / 348
المبحث الأول: الذين قالوا بمجيئه بعد ارتفاعه بوقتٍ قصير
بعض النصوص السابقة فيها الإيحاء بأن المسيح ﵇ سيعود بعد وقت قصير من وقت ارتفاعه، لهذا برز عند النصارى في وقتٍ مبكرٍ من تاريخهم دعوى عودته ومجيئه مرة أخرى.
وممن كان على هذا الاعتقاد "بولس" فقد صرح بأن مجيء المسيح مرةً أخرى سيكون في الفترة الزمنية التي هو يعيش فيها، كما في قوله السابق لأهل "تسالونيكى" "إنَّا نحن الأحياء الباقين إلى مجيء الرب لا نسبق الراقدين..والأموات في المسيح سيقومون أولًا ثم نحن الأحياء الباقين سنخطف معهم في السحب لملاقاة الرب في الهواء وهكذا نكون كل حين مع الرب".
وقوله في "كورنثوس الأولى" ١٥/٥١ - ٥٣ "لا نرقد كلنا ولكننا كلنا نتغير في لحظة في طرفة عينٍ عند البوق الأخير فإنه سيبوق فيقام الأموات عديمي فساد ونحن نتغير". هكذا زعم. ولا شك أن هذا لم يتحقق فلم يأت المسيح ﵇، ولم يخطف "بولس"، وبان بهذا أن قوله السابق غير صحيح وهو كاذب فيه، ولعله بسبب هذا القول لم يحرر تاريخ مؤكد لوفاته، فإن النصارى لا يعلمون على اليقين أين تُوفي، ومتى كان ذلك، وإنما يعلمون أنه وصل حسب المعلومات المتوفرة إلى روما، ثم منهم من يقول إنه قُتل في اضطهادات "نيرون"٤عام ٦٤م، ومنهم من يقول إنه لم يُقتل وإنما أطلق سراحه، وسافر إلى المشرق، وربما إلى إسبانيا ويقال أنه قتل سنة ٦٧م. ٥
المهم هنا أن هذا القول منه خطأ بيِّن، فيكون كلامه كله مطعونًا فيه، خاصةً وأنه نسب الكلام السابق إلى الله ﷿ حيث قال قبله: "فإننا نقول لكم هذا بكلمة
1 / 349
الرب".كما أن اعتقاد المجيء السريع للمسيح كان منتشرًا بين أناسٍ كثيرين من النصارى في تاريخهم المبكر بعد رفع المسيح ﵇. ٦
وفي نهاية القرن الثاني الميلادي ادعت امرأتان اسم احداهما "بريسكلا" والأخرى "ماكسيميلا" النبوة، وأعلنتا عن قرب نهاية العالم، ورجوع المسيح ﵇ وأن بيت المقدس الجديد سوف ينزل على القرية الصغيرة "بيبوزا" وأمرتا أتباعهما بالاستعداد لهذا المجيء بالكف عن الزواج، وزيادة أوقات الصيام، والامتناع عن شرب الخمر والأطعمة الشهية، واجتمع جمعٌ غفيرٌ منهم في "فريجيا" انتظارًا لرجوع المسيح، حتى إن أسقفًا من سوريا قاد كل أعضاء كنيسته ليقابلوا المسيح في الصحراء، ولكنهم ضلوا الطريق، وكانوا على شفا الموت جوعًا لولا أن أنقذتهم السلطات. ٧
المبحث الثاني: الذين قالوا بمجيئه قبل القيامة وأنه يؤسس مُلكًا على الأرض مدته ألف سنة مدخل ... المبحث الثاني: الذين قالوا بمجيئه قبل القيامة وأنه يؤسس مُلكًا على الأرض مدته ألف سنة طائفةٌ من النصارى يرون أن المسيح ﵇ سيأتي إلى الأرض، ويؤسس بذلك مُلكًا مدته ألف سنة، يسمون "الألفيين"، وعلى هذا الرأي من المتقدمين: "جاستن مارتر" ٨و"إيريانوس"، ٩ و"ترتليان" ١٠. يقول "دين الفورد": "إن الكنيسة كلها في الثلاثمائة سنة الأولى من العصر المسيحي تفهم ملك الألف سنة في معناه الواضح، بأنه ملك حرفي على الأرض" ١١، وعليه أيضًا "ناشد حنا"، صاحب كتاب " شرح سفر الرؤيا "، وكذلك أخذ به من النصارى من يُسمّون بـ"لأصوليين" ١٢، وهي
المبحث الثاني: الذين قالوا بمجيئه قبل القيامة وأنه يؤسس مُلكًا على الأرض مدته ألف سنة مدخل ... المبحث الثاني: الذين قالوا بمجيئه قبل القيامة وأنه يؤسس مُلكًا على الأرض مدته ألف سنة طائفةٌ من النصارى يرون أن المسيح ﵇ سيأتي إلى الأرض، ويؤسس بذلك مُلكًا مدته ألف سنة، يسمون "الألفيين"، وعلى هذا الرأي من المتقدمين: "جاستن مارتر" ٨و"إيريانوس"، ٩ و"ترتليان" ١٠. يقول "دين الفورد": "إن الكنيسة كلها في الثلاثمائة سنة الأولى من العصر المسيحي تفهم ملك الألف سنة في معناه الواضح، بأنه ملك حرفي على الأرض" ١١، وعليه أيضًا "ناشد حنا"، صاحب كتاب " شرح سفر الرؤيا "، وكذلك أخذ به من النصارى من يُسمّون بـ"لأصوليين" ١٢، وهي
1 / 350
فرق انبثقت من " البروتستانت" ١٣، مثل: " السبتيين" ١٤، و" شهود يهوه" ١٥، و"المورمون" ١٦.
ومن أقوالهم في هذا: قول صاحب كتاب "يسوع على الأبواب": "سيأتي المسيح ثانيةً، ويقيد الشيطان ألف سنة، ويؤسس مملكته على الأرض، وسيملك معه القديسون" ١٧.
ويقول"إبراهيم صبري" صاحب كتاب "خطوة خطوة نحو نهاية العالم": "لابد للمسيح أن يعود مرةً ثانيةً ليسترد كرامته التي أُهينت في نفس المكان الذي أهين فيه، فإذا كان قد جاء في المرة الأولى إلى الأرض في صورة الضعف والاتضاع كالحمل الوديع من أجل تحقيق هدفٍ سامٍ هو رفع خطيئة العالم ... فلابد أن يأتي مرةً أخرى إلى الأرض نفسها ... كالأسد لكي يسود ويملك وتوضع أعداؤه موطئًا لقدميه" ١٨.
ويستدلون لهذا المجيء بنصوصٍ وردت في "العهد القديم" و"الجديد" فمما ورد في "سفر دانيال" ٧/١٣ - ١٤ "كنت أرى في رؤى الليل، وإذا مع سحب السماء مثل ابن الإنسان، أتى وجاء إلى القديم الأيام فقربوه قدامه، فأُعطي سلطانًا، ومجدًا، وملكوتًا، لتتعبد له كل الشعوب، والأمم، والألسنة، سلطانه سلطانٌ أبدي ما لن يزول، وملكوته مالا ينقرض".
ومما جاء في "العهد الجديد" ما ورد في "إنجيل متى" ٢٤/٣٠ "قال الرب: وحينئذٍ تنوح جميع قبائل الأرض ويبصرون ابن الإنسان آتيًا على سحابٍ السماء بقوةٍ ومجدٍ كثير".
1 / 351
وفي "سفرالأعمال" ١/١١ "إن يسوع هذا الذي ارتفع عنكم إلى السماء سيأتي هكذا كما رأيتموه منطلقًا إلى السماء".
المطلب الأول: وقت وكيفية مجيئه: اهتم النصارى فيما قبل بتحديد وقت مجيء المسيح بزمنٍ معين، فالأمريكي "وليام ميلر"، مؤسس فرقة السبتيين، أوصلته دراسته للنصوص الواردة في المجيء أن المسيح سيأتي عام ١٨٤٣م، فأعلن عن ذلك، إلا أن نظره خاب لعدم مجيء المسيح ﵇، ثم أعلن أتباعه من بعده أن مجيئه سيكون عام ١٨٩٠م، إلا أنهم خاب رجاؤهم أيضًا. ثم أعلن من بعده التاجر الأمريكي الراهب "شارل رسل" المتوفى سنة ١٩١٦م، مؤسس مذهب شهود يهوه: أن المسيح سيأتي عام ١٨٧٤م، وذلك بعد دراسةٍ شاملةٍ للنصوص المتعلقة بالمجيء مع مجموعةٍ من أصدقائه، إلا أنه مني بخيبة أملٍ لعدم مجيء المسيح في تلك السنة. ولإخفاء فشله أعلن سنة ١٨٧٦م أن المسيح جاء فعلًا إلا أنه أخفى نفسه. ثم ادعى أن نهاية العالم ستكون ١٩١٤م، وبعدها سيكون الحكم الألفي السعيد، إلا أن ذلك لم يتحقق، بل وقعت الحرب العالمية الأولى، ومن بعدها الحرب العالمية الثانية ١٩. إلا أن الأكثر منهم لم يحددوا لمجيئه وقتًا معينًا. وجميع "الألفيين" يصرحون بأن للمسيح ﵇ مجيئين: - المجيء الأول: ويسمى "الاختطاف".
المطلب الأول: وقت وكيفية مجيئه: اهتم النصارى فيما قبل بتحديد وقت مجيء المسيح بزمنٍ معين، فالأمريكي "وليام ميلر"، مؤسس فرقة السبتيين، أوصلته دراسته للنصوص الواردة في المجيء أن المسيح سيأتي عام ١٨٤٣م، فأعلن عن ذلك، إلا أن نظره خاب لعدم مجيء المسيح ﵇، ثم أعلن أتباعه من بعده أن مجيئه سيكون عام ١٨٩٠م، إلا أنهم خاب رجاؤهم أيضًا. ثم أعلن من بعده التاجر الأمريكي الراهب "شارل رسل" المتوفى سنة ١٩١٦م، مؤسس مذهب شهود يهوه: أن المسيح سيأتي عام ١٨٧٤م، وذلك بعد دراسةٍ شاملةٍ للنصوص المتعلقة بالمجيء مع مجموعةٍ من أصدقائه، إلا أنه مني بخيبة أملٍ لعدم مجيء المسيح في تلك السنة. ولإخفاء فشله أعلن سنة ١٨٧٦م أن المسيح جاء فعلًا إلا أنه أخفى نفسه. ثم ادعى أن نهاية العالم ستكون ١٩١٤م، وبعدها سيكون الحكم الألفي السعيد، إلا أن ذلك لم يتحقق، بل وقعت الحرب العالمية الأولى، ومن بعدها الحرب العالمية الثانية ١٩. إلا أن الأكثر منهم لم يحددوا لمجيئه وقتًا معينًا. وجميع "الألفيين" يصرحون بأن للمسيح ﵇ مجيئين: - المجيء الأول: ويسمى "الاختطاف".
1 / 352
الصنف الأول: الصالحون من الأموات من اليهود السابقين لمجيء المسيح، وكذلك الصالحون من أموات النصارى.
أما الصنف الثاني فهم: الصالحون من النصارى الأحياء، فيلاقيه الجميع في الهواء، وتتغير أجساد الأحياء إلى أجساد قابلة للبقاء، ومستندهم في ذلك قول "بولس" في رسالته لأهل "تسالونيكى الأولى" ٤/١٥ - ١٧ "فإننا نقول لكم هذا بكلمة الرب: إننا نحن الأحياء الباقين إلى مجيء الرب لا نسبق الراقدين.....".٢٠
وهذا المجيء عندهم سرى، وليس له أية علامات تسبقه، ولا يُعرف من ناحيةٍ تاريخيةٍ متى وقوعه، وإنما يأتي فجأةً بدون مقدمات، حتى يكون ذلك أدعى للاستعداد الدائم من الراغبين في الاشتراك مع المسيح٢١ فيما يدعون٠
وهنا ملاحظة، وهي أن للنصارى تعبيرات غير لائقة في لقاء المسيح المزعوم، فيصفون المسيح بـ"الخروف" والكنيسة بأنها "عروسه" والالتقاء "حفل عرس الخروف" ٢٢.
ومن عباراتهم في ذلك "العريس آت" "العريس والعروس معًا" وقالوا: إن الرب - العريس - سوف ينزل بنفسه من السماء يخطف عروسه" "أما عن المجيء فسوف ينزل الرب بنفسه من السماء لاختطاف واستقبال عروسه في السحب في الهواء" "إن المؤمنين هم عروس المسيح، ولا شيء يعزيهم في هذا العالم الشرير مثل الوعد بمجيئه الثاني" "إن الكنيسة هي عروس المسيح ويشبهها بولس بعذراء عفيفة مخطوبة للمسيح" ٢٣.
1 / 353
ولاشك أن هذا التعبير مما لا يليق استخدامه بالنسبة للمسيح ﵇، فتسميته خروفًا حطٌ من قدره، وداعٍ للاستهزاء به ﵇، ومع اعتقادهم أن المسيح هو الإله، وابن إله، فيكون التعبير السابق أدهى وأشنع، فكيف يصفون إلههم بصفة حيوانٍ بهيم؟!
كما أن وصفهم له بالعريس، ووصفهم لأنفسهم بالعروس يتنافى مع ذوق الرجال، ويشعر الرجل بالدونية وإن كانوا ليسوا حقيقة عرائس، ولا هو حقيقة عريسًا لهم - وحاشاه ﵇.
المجيء الثاني: ويسمى الظهور.
ويقصدون به أن المسيح سيعود مرةً أخرى فيظهر للناس، ويرونه بأمِّ أعينهم.
يقول "إبراهيم صبري": "يقصد بالظهور هنا مجيء المسيح مرةً ثانيةً إلى أرضنا، ليس بصورةٍ سريةٍ هذه المرة، كما سيجيء لاختطاف الكنيسة، ولكن بصورةٍ علنيةٍ ظاهرةٍ للعالم أجمع، وليس مع جندٍ سماوي فقط ولكن بصحبة كنيسته - عروسه - التي ستكون قد زُفت إليه من فترةٍ وجيزة". ٢٤
المطلب الثاني: علامات المجيئ: هذا المجيء المسمى "الظهور" له عند النصارى علامات عديدة تكون بين ما يسمونه "الاختطاف" و"الظهور" وتكون المدة بين الاختطاف والظهور سبع سنين، ويعتبرونه الأسبوع الأخير من الأسابيع الواردة في "رؤيا دانيال" ٢٥ ومدته سبع سنوات، وتحدث فيه أمورٌ عظيمة يقولون إنها من أشد ما ابتلى به الناس من الضيق والتعب منها: - ١ - ظهور مسحاء كَذَبَة، وأدعياء للنبوة كاذبين.
المطلب الثاني: علامات المجيئ: هذا المجيء المسمى "الظهور" له عند النصارى علامات عديدة تكون بين ما يسمونه "الاختطاف" و"الظهور" وتكون المدة بين الاختطاف والظهور سبع سنين، ويعتبرونه الأسبوع الأخير من الأسابيع الواردة في "رؤيا دانيال" ٢٥ ومدته سبع سنوات، وتحدث فيه أمورٌ عظيمة يقولون إنها من أشد ما ابتلى به الناس من الضيق والتعب منها: - ١ - ظهور مسحاء كَذَبَة، وأدعياء للنبوة كاذبين.
1 / 354
٢ - حروب كثيرة تنتشر هنا وهناك ومجاعات وزلازل.
٣ - تقييد الشيطان وطرحه إلى الأرض.
وذلك أن النصارى، أصحاب هذا القول يزعمون أن الشيطان له سلطانٌ على الهواء، وفي منتصف هذا الأسبوع الأخير ستقوم حربٌ بين "ميخائيل" وملائكته، والشيطان وأتباعه من الجن – ويسمون الشيطان هنا بالتنين - وأتباعه بملائكته، ويُهزم في تلك الحرب الشيطان، ويُطرح إلى الأرض، وتتخلص السماء من شره، ويستدلون لهذا بما ورد في "رؤيا يوحنا" ١٢/٧ - ١٧ "وحدثت حرب في السماء، ميخائيل وملائكته حاربوا التنين، وحارب التنين وملائكته، ولم يقووا فلم يوجد مكانهم بعد ذلك في السماء، فطرح التنين العظيم، الحية القديمة، المدعو إبليس والشيطان الذي يضل العالم كله طُرح إلى الأرض وطُرحت معه ملائكته..من أجل هذا افرحي أيتها السموات والساكنون فيها، ويل لساكن الأرض والبحر، لأن إبليس نزل إليكم، وبه غضبٌ عظيمٌ عالمًا أن له زمانًا قليلًا".
وبعد تلك الحرب وذلك الطرح، يكشِّر الشيطان عن أنيابه، ويكثر شره، ويتسلط على الناس، ويثير شرًا عظيمًا من أهم صوره:
٤ - المسيح الكذاب، أوالمتنبيء الكذاب، أو المسيح الدجال، أو ضد المسيح.
هذه مسمياتٌ كلها لرجلٍ واحدٍ من اليهود، يخرج في الثلاث سنوات والنصف الأخيرة قبل ظهور المسيح ﵇ فيما يزعمون، ويأتي معه آيات وعجائب ليضل الناس، ويسكن في بيت المقدس، ويدَّعي لنفسه الألوهية، ويأمر الناس أن يسجدوا للشيطان٢٦، ويصنع صورة "للوحش" وهو أحد
1 / 355
الملوك الجبابرة، ويأمر بالسجود لها، كما يضع علامةً على اليد اليمنى لاتباعه على صورة الوحش، ويكثُر أتباعه، ويسلطهم على من عداهم من الناس ممن لم يقبل دعوته، فيأخذون أملاكهم، ويضيقون عليهم في معيشتهم٢٧.
ويستدلون لذلك بنصين، أحدهما: في " سفر دانيال" ١١/٣٦ - ٣٩، وفيه:
"ويفعل الملك كإرادته، ويرتفع ويتعظَّم على كل إله، ويتكلم بأمورٍ عجيبةٍ على إله الآلهة، ويتبجح إلى إتمام الغضب، لأن المقضي به يجري ولا يبالي بآلهة آبائه، ولا بشهوة النساء، وبكل إله لا يبالي لأنه يتعظَّم على الكل، ويكرّم إله الحصون في مكانه، وإلهًالم تعرفه اّباؤه، يكرمه بالذهب والفضة وبالحجارة الكريمة والنفائس ويفعل في الحصون الحصينة بإلهٍ غريبٍ منْ يعرفه يزيده مجدا، ً ويسلطهم على كثيرين، ويقسِّم الأرض أجرة" ٢٨.
والنص الآخر في "رؤيا يوحنا" ١٣/١١ - ١٨ وفيه:
"ثم رأيت وحشًا آخر طالعًا من الأرض، وكان له قرنان شبه خروف، وكان يتكلم كتِنِّين، ويعمل بكل سلطان الوحش الأول أمامه، ويجعل الأرض والساكنين فيها يسجدون للوحش الأول الذي شُفي من جرحه المميت، ويصنع آياتٍ عظيمة، حتى أنه يجعل نارًا تنزل من السماء على الأرض قدام الناس، ويضل الساكنين على الأرض بالآيات التي أعطى أن يصنعها أمام الوحش، قائلًا للساكنين على الأرض أن يصنعوا صورةً للوحش الذي كان به جرح السيف، وعاش وأعطى أن يعطي روحًا لصورة الوحش حتى تتكلم صورة الوحش، ويجعل الذين لا يسجدون لصورة الوحش يُقتلون، ويجعل الجميع الصغار.
1 / 356
والكبار، والأغنياء والفقراء، والأحرار والعبيد، تصنع لهم سمة على يدهم اليمنى أو على جبهتهم، وأن لا يقدر أحد أن يشتري، أو يبيع إلا من له السمة، أو اسم الوحش، أو عدد اسمه".
٥ - مجيء ملك الشمال مع "يأجوج ومأجوج".
هكذا يصف بعض النصارى أحد الملوك ممن سيغزوا فلسطين، وزعموا أنه سيأتي بجنود لا عدد لها كثرة، وبعضهم يصفه بـ"الوحش"، ويُخضِع مع المسيح الدجال الناسَ، ويقتل أناسًا كثيرين ممن لا يخضعون له، وسيحتفي به اليهود ويفرحون به، باعتبار أنه حاميهم ويقبلونه بفرحٍ عظيم٢٩، ويستدلون لذلك بما ورد في "رؤيا يوحنا" ١٣/١ – ٨.
"ثم وقفت على رمل البحر، فرأيت وحشًا طالعًا من البحر له سبعة رؤوس وعشرة قرون.. وأُعطي سلطانًا أن يفعل اثنين وأربعين شهرًا. ففتح فمه بالتجديف على الله ليجدف على اسمه وعلى مسكنه وعلى الساكنين في السماء، وأُعطي سلطانًا على كل قبيلة ولسان أمة فيسجد له جميع الساكنين على الأرض".
٦ - مجيء المسيح علنًا وإقامة الملك الألفي.
بعد اكتمال ثلاث سنوات ونصف من ظهور المسيح الدجال والوحش ينزل المسيح عيسى ﵇ ويتوافق مع مجيئه علامتان:
إحداهما: سقوط بعض النجوم، وإظلام الشمس والقمر فلا ينبعث منهما نور.
ثانيهما: ظهور علامة الصليب في السماء بحيث يراها الناس.
ويستدل النصارى لهاتين العلامتين بما ورد في "إنجيل متى" ٢٤/٢٩:
1 / 357
"وللوقت بعد ضيق تلك الأيام تظلم الشمس، والقمر لايعطي ضوءًا، والنجوم تسقط من السماء، وقوات السموات تتزعزع، وحينئذٍ تظهر علامة ابن الإنسان في السماء".
وينزل المسيح ﵇، ويرافقه في نزوله الملائكة، ويكون نزوله على جبل الزيتون الذي قبالة بيت المقدس من الشرق، وحسب ادعائهم أن أول ما يقوم به هو القبض على مدعي النبوة، أو المسيح الدجال، وكذلك الملك الأممي أو الوحش، فيقضي عليهما بنفخةٍ من فمه، ثم يلقيهما في النار، ليكونا بذلك أول الداخلين إليها، ويُعذبان فيها عذابًا أبديًا، ثم يقتل أتباعهما بالسيف، ويقبض على الشيطان ويطرحه في الهاوية، التي هي مقر الأرواح، ويقيد فيها مدة ألف سنة.
ثم يبدأ حكم المسيح للأرض، والذي يمتد ألف سنة، ويكون حُكمًا سعيدًا ترتفع فيه اللعنة من الأرض
٣٠، ويبني الهيكل في بيت المقدس٣١، ويُعيد بني إسرائيل من تشردهم، وتُكتب الشريعة على قلوب الناس فلا يحتاجون لمعلِّم٣٢، وترتفع الوحشية من الحيوانات فلا يعتدي بعضها على بعض٣٣، ويطول عمر الناس٣٤، وتختفي الحروب٣٥، ويؤخذ الحق من الأشرار فيبادون في كل صباح٣٦.
المطلب الثالث: الحوادث التي تقع بعد الألف سنة بعد انتهاء الألف سنة يكون هناك حادثتان: الأولى: حرب هَرمجدون
المطلب الثالث: الحوادث التي تقع بعد الألف سنة بعد انتهاء الألف سنة يكون هناك حادثتان: الأولى: حرب هَرمجدون
1 / 358
"هرمجدون" اسم عبري معناه "جبل مجدو" ويقع في "مرج بن عامر" على خط المواصلات بين القسمين الشمالي والجنوبي من فلسطين، وفيه تقع في زعم هذه الطائفة من النصارى٣٧ الحرب الأخيرة بين المسيح وأعدائه من "يأجوج" و"مأجوج"، فإنهم يقولون: بعد انتهاء الألف سنة يُحل الشيطان من قيوده ويبدأ بإضلال الناس وإغوائهم، ويجمع يأجوج ومأجوج وعددهم مثل رمل البحر، فيأتون فيحيطون ببيت المقدس، وفيه المسيح ﵇ وأتباعه فيحاصرونهم، فينزل الله ﷿ نارًا من السماء فتحرقهم، ثم يقبض على إبليس ويطرح في النار حيث يعذب العذاب الأبدي، وبذلك يتم القضاء على الشر نهائيًا٣٨.
ويستدلون لذلك بما جاء في "رؤيا يوحنا" ١٦/١٦ "مجمعهم إلى الموضع الذي يدعى بالعبرانية هرمجدون"، ثم ذكرتفصيل تلك الحرب في السفر نفسه ٢٠/٧: "ثم متى تمت الألف سنة يُحل الشيطان من سجنه، ويخرج ليُضل الأمم الذين في أربع زوايا الأرض يأجوج ومأجوج ليجمعهم للحرب، الذين عددهم مثل رمل البحر، فصعدوا على عرض الأرض، وأحاطوا بمعسكر القديسين وبالمدينة المحبوبة، فنزلت نار من عند الله من السماء وأكلتهم، وإبليس الذي كان يضلهم طرح في بحيرة النار والكبريت حيث الوحش والنبي الكذاب وسيعذبون نهارًا وليلًا إلى أبد الآبدين".
ثانيًا: القيامة
بعد هذه المعركة تبدأ القيامة ومحاسبة الناس، وفي زعمهم أن المتولي لذلك هو المسيح ﵇. هذا هو قول هذه الطائفة من النصارى، والذين يسمون "الألفيين".
1 / 359
المبحث الثالث: من يرى أن مجيء المسيح ﵇ إنما هو للقيامة والحساب وأنه لا يؤسس ملكًا على الأرض
مدخل
...
المبحث الثالث: من يرى أن مجيء المسيح ﵇ إنما هو للقيامة والحساب وأنه لا يؤسس ملكًا على الأرض.
الطائفة الأخرى من النصارى وهم الذين يشكلون غالبية النصارى حيث هو قول الأرثوذكس الأقباط٣٩ والأرثوذكس اليونان٤٠ والكاثوليك٤١ وطائفة من البروتستانت:-
يرون أن المسيح ﵇ إنما يكون مجيئه ليوم القيامة والحساب، وأنه لا يؤسس مُلكًا على الأرض، وإن ملكه كان قد ابتدأ من يوم صلبه وقيامته من قبره في زعمهم، وهو ملك روحي، وأن الألف سنة المذكورة في "رؤيا يوحنا" ٢٠/٧ المقصود بها المدة التي تكون من مجيئه الأول إلى مجيئه الثاني، وأن الشيطان قُيِّد جزئيًا منذ صلب المسيح، وقام من قبره وارتفع إلى السماء، ويرون أن المسيح ﵇ إذا جاء فإنه يرتفع إليه الأبرار الأحياء، ويقوم الأموات من قبورهم للكرامة، ثم تتغير الأرض والسماء، ويقف الناس أمام عرش المسيح، الذي سيحاسب الناس على أعمالهم٤٢. هكذا زعموا.
ويعتبر أصحاب هذا القول أن دعوى الملك الألفي خرافة وفكر يهودي دخل على النصارى في القرون الثلاثة الأولى، ثم تجدد في العصور المتأخرة٤٣.
ويتفق أصحاب هذا القول في أشياء، ويختلفون في أشياء متعلقة بمجيء المسيح ﵇، نجملها في المطلبين التاليين:
المطلب الأول: العلامات التي يتفقون عليها: يتفق أصحاب هذا القول على بعض العلامات التي تسبق مجيء المسيح وهي: -
المطلب الأول: العلامات التي يتفقون عليها: يتفق أصحاب هذا القول على بعض العلامات التي تسبق مجيء المسيح وهي: -
1 / 360
١ - انتشار الإنجيل.
يزعم أصحاب هذا القول أنه لابد أن ينتشر الإنجيل في كل مكان قبل أن يأتي المسيح عليه السلام٤٤ ويعتمدون في ذلك على نص "إنجيل متى" ٢٤/١٤ وفيه "ويكرز ببشارة الملكوت هذه في كل المسكونة شهادة لجميع الأمم ثم يأتي المنُتهى".
١ - أن الشمس والقمر يظلمان وتسقط النجوم وتتزعزع السموات٤٥.
٢ - ظهور علامة ابن الإنسان في السماء وهي الصليب في زعمهم والتي يعقبها نزول المسيح والقيامة.
المطلب الثاني: الأشياء التي يختلفون فيها: يختلف أصحاب هذا القول في أمرين: أحدهما - العلامات الأخرى التي تسبق مجيء المسيح:- مثل: المسيح الدجال، والوحش أو ملك الشمال، ويأجوج ومأجوج، وهرمجدون، ونحوها، فهم يختلفون فيها إلى قولين: القول الأول: من يرى أن هؤلاء ليسوا أشخاصًا حقيقيين ولا أحداثًا تاريخية ستقع بالصورة التي وردت في النصوص، وإنما هي صور مجازية، تعني انتشار أفكار فاسدة، وكذلك كثرة الشرور الموجهة للكنيسة، وأنه سيتساعد كل من السلطة المدنية والعسكرية للدولة التي تكون فيها الكنيسة مع إبليس، ويتعاونون ضد الكنيسة قبل مجيء المسيح، وهذا هو الذي يرمز إليه بـ"الوحش" و"يأجوج ومأجوج" و"هرمجدون".
المطلب الثاني: الأشياء التي يختلفون فيها: يختلف أصحاب هذا القول في أمرين: أحدهما - العلامات الأخرى التي تسبق مجيء المسيح:- مثل: المسيح الدجال، والوحش أو ملك الشمال، ويأجوج ومأجوج، وهرمجدون، ونحوها، فهم يختلفون فيها إلى قولين: القول الأول: من يرى أن هؤلاء ليسوا أشخاصًا حقيقيين ولا أحداثًا تاريخية ستقع بالصورة التي وردت في النصوص، وإنما هي صور مجازية، تعني انتشار أفكار فاسدة، وكذلك كثرة الشرور الموجهة للكنيسة، وأنه سيتساعد كل من السلطة المدنية والعسكرية للدولة التي تكون فيها الكنيسة مع إبليس، ويتعاونون ضد الكنيسة قبل مجيء المسيح، وهذا هو الذي يرمز إليه بـ"الوحش" و"يأجوج ومأجوج" و"هرمجدون".
1 / 361
كما ستساعدهم السلطة الدينية التي يرمز إليها بـ"النبي الكذاب" أو"المسيح الدجال"، ويشددون جميعًا وطأتهم على الكنيسة بالترغيب والترهيب حتى يأتي المسيح وتقوم القيامة٤٦.
القول الثاني: من يرى أن تلك العلامات هي لأشخاصٍ حقيقيين ولأحداثٍ تاريخية ستقع قبيل مجيء المسيح ﵇ على الكيفيات التي ذُكرت بالنصوص، ويتفقون في هذا مع الألفيين من النصارى، إلا أن الألفيين يرون أن هذه العلامات تكون في الفترة الواقعة بين ما يسمى بالاختطاف والظهور.
أما هؤلاء فيرون أن ذلك قبيل مجيء المسيح ﵇ للقيامة٤٧
ثانيهما - تحديد وقت المجىء والقيامة:-
يختلف المنكرون للملك الألفي في تحديد وقت لمجيء المسيح ﵇ وبالتالي القيامة إلى قولين أيضًا:
القول الأول: إنكار تحديد وقتٍ أو تاريخ معين لمجيء المسيح أو القيامة، بل يعتبرون ذلك خطأ٤٨ مخالفًا لما ورد في "إنجيل متى" ٢٤/٣٦ "وأما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بها أحد ولا ملائكة السموات إلا أبي وحده".
القول الثاني: وهم من يحددون تاريخًا معينًا لمجيء المسيح والقيامة: -
أصحاب هذا القول وإن كانوا لا يرون أن المسيح سيملك دنيويًا على الأرض قبل القيامة، إلا أنهم يحددون تاريخ مجيئه والقيامة بستة آلاف سنة منذ خلق أدم ﵇.
1 / 362