جاءني حنا في الصباح الباكر ملهوفا، قال إن جماعة من عسكر الفرنسيس حضروا إلى بيت البكري نصف الليل، وطلبوا المشايخ المحبوسين هناك فعروهم من ثيابهم وصعدوا بهم إلى القلعة. وفي الصباح أخرجوهم وقتلوهم بالبنادق، وألقوهم من السور خلف القلعة. وبلغ عددهم ثمانين وبينهم نساء. وكان بينهم الشيخ إسماعيل البراوي، والشيخ الإمام عبد الوهاب الشبراوي الشافعي، والشيخ سليمان الجوسقي شيخ طائفة العميان.
وكان الأخير معروفا بجبروته، وجمع أموالا عظيمة وعقارات، فكان يشتري غلال المستحقين المتأخرة بأقل الأسعار، ويخرج كشوفاتها وتحاويلها على الملتزمين، ويطالبهم بها كيلا وعينا، ومن عصى عليه أرسل إليه الجيوش الكثيرة من العميان، فلا يجد بدا من الدفع. وكان له أعوان يأتون إليه بالسفن المشحونة بالغلال والسمن والعسل والسكر والزيت وغير ذلك، ويبيعها في سني الغلوات بأقصى القيمة، ويطحن منها على طواحينه دقيقا، ويبيع خلاصته في حارة اليهود، ويعجن بنخالته خبز الفقراء العميان، يتقوتون به مع ما يجمعونه من الشحاذة. ومن مات منهم ورثه الشيخ.
ولم يكن أحد يقدر على معارضته. واتفق أن الشيخ الحفني أغضبه، فأرسل إليه من أحضره موثوقا مكشوف الرأس، مضروبا بالنعالات على دماغه وقفاه من بيته إلى بيت الشيخ بالموسكي بين ملأ العالم.
سألت أستاذي عما حمل رجلا بهذه المكانة على الانضمام إلى الزعر والحرافيش. أطرق برأسه وقال: معك حق، فلم يكن ينقصه شيء: يلبس الملابس والفراوي، ويركب البغال وأتباعه محدقة به، يتزوج الكثير من النساء الغنيات الجميلات، ويشتري السراري البيض والحبش والسود.
جذب أستاذي طرف لحيته وأضاف: التفاخر والتكبر هو ما حمله على معارضة الفرنسيس.
الأحد 11 نوفمبر
استمرت حوادث الاعتداءات على الفرنساوية في القليوبية والجيزة والبحيرة ودمياط والمنصورة. وأحرق الفرنساوية القرى التي تسببت في هذه الاعتداءات. أما في المدينة فقد قلعوا أبواب الدروب والحارات الصغيرة غير النافذة وكسروها، ورفعوا أخشابها على العربات إلى حيث أعمالهم بالنواحي والجهات، وباعوا بعضها حطبا للوقود، وكذلك ما بها من الحديد وغيره.
وخرجت جنودهم لقمع الفتنة في السويس بعد أن استولوا على جمال السقائين، فشح الماء، وبلغت القربة عشر بارات.
واليوم ألصقوا أوراقا بالأسواق والشوارع بها كلام على لسان المشايخ، سجلت منه العبارات التالية: «... نعرف أهل مصر المحروسة من طرف الجعيدية، وأشرار الناس، حركوا الشرور بين الرعية وبين العساكر الفرنساوية بعدما كانوا أصحابا وأحبابا ... وسكنت الفتنة بسبب شفاعتنا عند أمير الجيوش بونابرته، وارتفعت هذه البلية؛ لأنه رجل كامل العقل عنده رحمة وشفقة على المسلمين، ومحبة إلى الفقراء والمساكين، ولولاه لكانت العساكر أحرقت جميع المدينة. إن الله سبحانه وتعالى يؤتي ملكه من يشاء، ويحكم ما يريد. ونصيحتنا لكم ألا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة، واشتغلوا بأسباب معايشكم وأمور دينكم، وادفعوا الخراج الذي عليكم، والدين النصيحة والسلام.»
الخميس 15 نوفمبر
অজানা পৃষ্ঠা