فإن الوجه فيه مقسوم إلى ثلاثة أثلاث بخطين عرضيين، ما عدا الخطين اللذين يحدان الوجه فوق القمة وأسفل الذقن، ويسمون كل قسم من هذه الأقسام ثلث طول الوجه، يمر أعلى الخطين المتوسطين بمقترن الحاجبين وأسفلهما بأسفل الأنف، فإذا انقسم الوجه على هذه الصورة رسموا أربعة خطوط أخرى تتشعع من نقطة عند مقدم الأذن، يمر أعلاها بنقطة اتصال الحد العلوي للوجه بالجبهة، ويمر تاليه بمقترن الحاجبين، والثالث بأسفل الأنف، والرابع بملتقى الذقن بالحد السفلي، فيتكون من ذلك ثلاث زوايا قياس كل واحدة منها ثلاثون درجة، وتسمى الأولى الزاوية الجبهية، والثانية الأنفية، والثالثة الذقنية، ويستدلون على ارتقاء العقل بمقدار سعة تلك الزوايا في مقدم الوجه، ولا تكون تلك السعة إلا ببروز الوجه نحو الأمام، ومن الأمور الطبيعية المؤيدة لهذا الزعم عندهم أن وجه الطفل يكون منضغطا ثم يأخذ بالبروز كلما نما، فإذا بلغ أشده تم بروزه، ويتضح لك ذلك من النظر إلى الشكل
5
فإنه يمثل وجه إنسان في طفوليته وفي بلوغه، ويتساعدون في أحكامهم على عقول الناس بأقيسة الرأس المتقدم ذكرها، فإذا قاسوا رأس رجل فبلغ محيطه 12 قيراطا وقاسوا زاوية وجهه فاستدلوا منها على بروزه حكموا بارتقاء قواه العاقلة، وقس على ذلك.
شكل 5: وجه غلام دون سن الرشد.
رأس نابوليون بونابرت:
تفرد هذه الرجل حتى أصبح مثلا في كل شيء، فهو مثال التعقل والشجاعة والسياسة والتدبير وغير ذلك من مواهب عظماء الرجال، وقد اتخذوا صورة رأسه مثالا جامعا لتلك المواهب.
شكل 6: رأس بونابرت.
فيستدلون بسعة جبهته الممتدة من فتحة الأذن الواحدة إلى الفتحة الأخرى مع عظم ارتفاعها على ما أودعه فيها الخالق من القوى العاقلة التي بلغت أرقى المراتب، ويستدلون من ملامح وجهه على درجات قواه وأمياله، فارتفاع جسر أنفه وطوله غريبان، وعظماه الوجنيان شديدا النمو يدلان على سمو قوة التسلط والتدبير، وبعد المرتفق الذقني من فتحة الأذن، وطول الفك السفلي وعرضه من الجانب الواحد إلى الآخر، وانعطافه نحو الأسفل مع تقويسه العظيم، كل ذلك أدلة كافية عندهم على ارتقاء القوى الدماغية الظاهرة في الوجه، وكذلك عرض مساحة الذقن وهيئة الفم؛ فإنهما دليلان على العزم والإرادة والنظام، وهي الصفات التي اشتهر بها هذا الرجل العظيم، ومما يحسن التنبيه إليه أن وضوح هذه الملامح يعين على تعيين مراكز هذه الصفات في تفحص أدمغة الناس ودرس أخلاقهم.
وجملة القول إن لعلم الفرينولوجيا قواعد وقوانين كتبوا فيها المطولات، فليلجأ إليها من أراد التطويل، وقد قدمنا أن أصحاب هذا العلم يغالون في معجزاته حتى قد يعينون لكل قوة من القوى تلفيفا من تلافيف الدماغ أو عقدة من عقده، ويسمون عمل كل منها باسمه مما لا يستطيعون إثباته بالبرهان، على أننا نسلم معهم بأن المراكز العصبية تتعاظم قوتها بتعاظم حجمها، وأن لبعضها أجزاء خاصة من الدماغ مستقلة عن الأجزاء الأخرى؛ بدليل استقلال بعضها بالعمل بحيث تنام الواحدة وتشتغل الأخرى كما يحصل في بعض أحوال النوم، فإن بعضهم ينهض من فراشه وهو نائم فيمشي ويذهب ويجيء كأنه عديم التسلط على أعماله، وبعضهم إذا سألته وهو نائم أسئلة أجابك عليها بدقة، فإذا أفاق لم يدر ما فعل، على أنه قد يتذكر ذلك في نوم ثان، ونرى أيضا أن لكل قسم من الأعصاب عملا من الأعمال الحيوية، فبعضها يشتغل بالهضم والبعض الآخر في التنفس أو غير ذلك وتنفق في عملها قوة ومادة فتدثر دقائق الأعصاب، فإذا لم تعوض بالغذاء والرقاد أدت إلى الجنون.
والدماغ يمثل ملكا في بلاد يديرها كيف شاء، وله سليقة تحرك الأعضاء لدفع الأذى عن الإنسان، وهو قائم في أعلى الجسم بعيدا عن الخطر في قلعة متينة البنيان صلبة الجدران، تغشاها الأغطية والستور، حولها الوزراء والأعوان من الحواس والأعضاء، مما يدعو إلى الإعجاب بالحكمة الفائقة التي تظهر في كل عمل من أعمال الإنسان، وتعليلها لا يزال مجهولا، فعسى أن يكشفه لنا العلم في مستقبل الأيام.
অজানা পৃষ্ঠা