সাইল্ম আদব নাফস
علم أدب النفس: أوليات الفلسفة الأدبية
জনগুলি
فالأخلاق عموما خواص طبيعية في الإنسان تصدر من الجهاز العصبي، ولا سيما الدماغ، فهي من جملة قوى الوجدان، ولكنها غير خاضعة الخضوع المطلق لحكم الإرادة، ولا هي منقادة الانقياد التام للتعقل، فهي أول ما يبدو في مظاهر الإنسان حين تثيرها العوامل، ومتى بدرت انبرى العقل للسيطرة عليها، فقد يكبحها أو يدربها أو يؤيدها ويسندها، فكأنها قوى عقلية ثانوية. وكونها فطرية طبيعية لا يثلم نسبتها للعقل؛ لأن الوجدان الإنساني لا يخرج من دائرة الفطرة، فالإنسان عاقل متعقل بالفطرة، والعقل نفسه ابن الغريزة؛ أي هو غريزي، وقبوله للنمو وحذق المعرفة والتعلم هو أمر غريزي فيه أيضا. (1-4) الغريزة الحيوانية
ولا يمكننا أن ننتهي من مقدمة هذا الفصل ما لم نفسر معنى الغريزة ونعللها تعليلا يسهل تفهم الأخلاق، وشأنها في تحريك الأفعال. فإذا ألفتنا نظر القارئ مثلا إلى قرص الشهد الذي يبنيه النحل خليات كلها سداسية الأضلاع متصلة بعضها ببعض اتصالا محكما، ولا يمكن أن يخطئ في واحدة، وعلم أن النحلة لا تتعلم هذا البنيان علما، ولا تقتبسه اقتباسا، بل هو طبيعة فطرية تبعثها فيها على العمل من غير تفكير، يفهم حينئذ ما هي الغريزة بأوسع معنى. وقس على ذلك بناء النحلة للشهد، نسج الفراشة للفليجة «الشرنقة»، وبناء العصفور للعش، ونسج الرتيلاء للشبكة، وخزن النمل الحبوب في أهراء تحتفرها تحت الثرى، ومهاجرة الطيور من أوروبا إلى أفريقيا فوق البحر المتوسط في الفصل المعين إلخ.
فهذه الحشرات والحيوانات تفعل هذه الأفعال بقوة ميل طبيعي في بنية أجسامها، كما أنها تنشأ وتنمو إلى أن تنضج في الشكل الذي يعين لنوعها بقوة هذا الميل؛ فالطير يتجنح، والدودة تتحول إلى فراشة، والوعل «يتقرن»؛ أي ينبت قرناه متشعبين إلخ، بقوة هذا الميل الذي في طبيعة بنيته الخاصة.
فالغريزة إنما هي وليدة هذا الميل الذي بطبيعة الحي، وهذا الميل نتيجة فعل البيئة التي حددت للحي شكل بنيته؛ فجعلت للطير جناحين، وللسمكة زعانف، وجردت الحية من قوائمها إلخ. إذن هذا الميل قابل للتغير بتغير البيئة، وبالنتيجة تتغير الغريزة بتغير هذا الميل الطبيعي. والبيئة هي الماء للسمكة، والهواء للطير، وبطن الأرض للحية والنملة، وسطح الأرض للزحافة، وهلم جرا.
ولما كان فعل البيئة لا يؤثر تأثيره الدائم في جيل أو أجيال معدودة، بل في أجيال لا يحصى عددها، كان لا بد من أن ينتقل هذا الميل الذي في طبيعة الحي من جيل إلى جيل رويدا رويدا. وهذا الانتقال هو الوراثة الطبيعية.
فالغريزة إذن هي ميل محتوم في طبيعة كل حي إلى فعل معين الشكل لا بد منه، ونتيجة عامل البيئة وسنة الوراثة.
فإذا كان للحيوان شيء من العقلية كانت عقليته نفسها، مهما كانت ناضجة، ضربا من ضروب الغريزة أيضا، ونتيجة العوامل البيئية أيضا؛ كبناء الطير للعش، ومغازلة الطيور ومهاجرتها، ووثب الغزلان في حالة اللهو والمرح، ودعابة سائر الحيوانات ذكورا وإناثا. (1-5) الغريزة الإنسانية
والإنسان - وهو السلالة الراقية من الحيوان - قد ورث كثيرا من غرائز الحيوان؛ فهو يغازل ويحب، ويخاف ويهرب تجنبا للخطر، ويغضب ويضرب دفعا للأذى، ويعطف ويحنو على وليده إلخ، بحكم هذه الغريزة. ولكن لأن عقليته ارتقت جدا حتى صارت القسم الأعلى من شخصيته؛ قبضت على أزمة غرائزه الأخرى لتدربها إلى مصلحته ونفعه ولذته، وبالإجمال إلى حفظ حياته وحفظ نوعه. ومع ذلك، لم تخرج عقليته خروجا مطلقا عن الدائرة الغريزية؛ فهو يتعلم أن يتكلم ويتأنق في أكله وشربه ولبسه وتصرفه، ويتعلم القراءة، ويتلقى جميع المعارف؛ لأن فيه استعدادا للتعلم؛ فهذا الاستعداد غريزة خاصة به ليست في الحيوان الأعجم، ولولا هذه الغريزة لبقي حيوانا.
فكل غريزة خاصة في الإنسان دون الحيوان، أو هي أرقى فيه منها في الحيوان؛ كالحب، والتعجب من الأمر المجهول، والإجلال للأمر العظيم إلخ، كانت في الأصل عادة اقتضتها العوامل البيئية من جهة، والعوامل الاجتماعية من جهة أخرى. والعادة متى تكررت وانتقلت من جيل إلى جيل أصبحت بعد عديد الأجيال غريزة. (1-6) الأخلاق
الأخلاق البشرية: إنما هي مجموعة غرائز بعضها ورثها الإنسان من الحيوان، ولكنها ترقت فيه وتأنقت، وبعضها كسبها على مرور القرون بفعل العوامل الاجتماعية، فترقت وتأنقت بترقي عقليته، فسميناها أخلاقا تمييزا لها عن غرائز الحيوان التي لا تزال وحشية مقصورة على مطالب الحياة المعدودة.
অজানা পৃষ্ঠা