محيت بولاندا من خريطة العالم السياسي، وعفت آثارها، ولكنها لم تمح من قلوب أبنائها المخلصين العاملين لاسترداد وحدتها.
إيه أيها الإنسان! ما أشد كفرك وجحدانك! ماذا؟ أهل ضاقت بك بلادك الرحبة وأراضيك الواسعة؛ فصوبت سهام انتقامك إلى أخيك الإنسان لتسلبه ما له؟ وتسرقه حياته حتى زهد الحياة ورغب في الموت؟ وأخذ يردد قول الحكيم: «ما أجمل الحياة لولا لؤم الإنسان!»
فيا أيها القارئ الكريم الصاعد معي ليرى ما فعلته يد الإنسان بأخيه الإنسان، بل ليرى ما اجترمته يد الظلم والعدوان، لا، أستغفر الله، بل ليرى فظائع الجشع الاستعماري ومنتهى سفالته.
إذا ذكرت الممالك المسكينة التي قضت عليها أحكام الدهر ومشيئة الزمن أن تموت وتعدم فاذكر بولاندا في أولها.
اللهم رفقا أنك تنزل الخلق من رحم أمهاتهم أحرارا، فيأتي من فسد من عبيدك ويستبد بهم ويريهم الموت عيانا، ويكيل لهم بصاع الظلم حتى يزهق أرواحهم.
فاهدهم يا رب العالمين، إنهم كانوا من الضالين.
الفصل الأول
كوبريلي أحمد باشا
كانت سنة 1656 ميلادية سنة ويل وثبور، بل سنة ظلام ومصائب على الدولة العثمانية، فإن القائمين بالأمر فيها كانوا من ذوي الآراء الضعيفة والأفكار الواهية، بل على كل حال كانوا ضعاف الإرادة.
في تلك السنة أظلم جو السياسة، واكفهرت سماؤها؛ فهاجم أسطول البندقية (فنيستا) جزيرتي لمنوس وتنيدوس، واحتلتا احتلالا انتهى بالقبض على أزمة الأمور فيها.
অজানা পৃষ্ঠা