من هذا الاختلاف ترون أيها الإخوة أن القضية ليست شريعة الله، فهذا أمر لا خلاف عليه، إنما القضية هي التفسير البشري، والتطبيق البشري لتلك الشريعة السمحاء، واختلاف البشر لأنهم بشر ولكونهم بشرا في اجتهاداتهم لتطبيق تلك الشريعة.
وهذا هو عين ما تساءلت عنه في مقالي الأول للأستاذ خالد محمد خالد: «شريعة من نطبقها؟»
لم يكن تساؤلا حول المبدأ الإلهي الذي لا نقاش فيه، وإنما عن الاجتهادات والأهواء البشرية في تطبيق تلك الشريعة، فجعفر نميري «طبق» الشريعة، وأرغم السودانيين أو بعضهم على الأقل بأن يبايعوه «إماما» لمسلمي السودان مدى الحياة، وفرح كثير من الدعاة المصريين أن نميري قد هداه الله وطبق شريعته، ولكن تقويض حكم نميري لم يوقفه هذا التمسح والتسربل بالدين؛ ذلك أن الدين ليس تكأة للطغاة والحاكمين يتسترون وراءه ويعيثون بعد هذا في الأرض فسادا، الدين العقيدة هو أسمى ما يفعله الناس بحياتهم، ولا يمكن أن يكون وسيلة طاغ أو ديكتاتور.
في سياحتي تلك داخل عقول كثير من القراء أدركت واكتشفت أن ثمة غسل مخ خطيرا قد حدث ويحدث للإنسان المصري والعربي، وأن هذا الغسل قد قام به بعض الدعاة الذين تربعوا على عرش وسائل الإعلام، ورغم استنكارهم للحضارة الغربية ومساوئها فإن نفس وسائل تلك الحضارة، وعلى رأسها التليفزيون هي التي اتخذوها وسيلة لغسل مخ المواطنين الطيبين البسطاء الذين يعبدون الله عن حب، وليس عن رهبة، وعن رغبة في طاعته وليس خوفا من داعية أو تنظيم.
إن التليفزيون في عصرنا الحاضر أصبح هو صانع عقل المواطن وتفكيره، فالخطابات التي جاءتني كان معظمها يردد كالببغاء ما ألقي في عقله من مفهومات من خلال التليفزيون، والغريب أن تليفزيوننا مثله مثل بقية التليفزيونات العربية لا يتيح الفرصة للرأي الآخر ، أو حتى للمناقشة أو حتى الاستفسار، إنه يجعل الناس تجلس هكذا كالمسلوبة العقل والإرادة تستمع لما يلقى عليها ويحفظ لها (بتشديد الفاء) وكأنهم أطفال في كتاب، وهكذا يتعود المواطن على أن يستقبل فقط ويردد فقط ويكف عن التفكير تماما انتظارا للداعية أن يفكر له وأن يعطيه الأوامر، إنها مأساة حقيقية صنعتها وسائل الإعلام والنقود المنصبة على الألسنة والأقلام، والهدف في النهاية، أقولها لكم وأهتف بها: تقويض مصر؛ مصر الإيمان، ومصر العقل، مصر العلم، ومصر الثقافة؛ ليتيح لهذه الدولة أو تلك أن تحتل مكانتها في قيادتها العالم العربي والإسلامي، ولكن عبثا ما يحاولون فالزبد سيذهب جفاء، وما ينفع سيبقى - إن شاء الله - في الأرض، أرض مصر العامرة، يا تابعي وزارات الإعلام في بعض الدول التي تهب رياحها الشرقية تحمل لنا التخلف والجمود، وتريد أن ترجع بنا القهقرى عسانا نتأخر وتتقدم هي، فلننتبه إلى ما يراد بنا، وللأسف على أيدي بعض المصريين. مرة أخرى أكتفي بالإشارة هنا، فالمسألة قد زادت على حدها، وتدخل تلك الدولة للعبث بالإنسان المسلم المصري والعقل المصري قد زاد على حده، ولا بد معه من وقفة صريحة واضحة نضع فيها النقط فوق الحروف، ونخرج النقود من الجيوب ونتفحصها لنعرف في أي بلد صكت.
إننا مسلمون أبا عن جد، مسلمون بالبلاد، ومسلمون بالاختيار، ولا نريد العبث بإيماننا هذا، ونرفض هذا العبث وندينه، والمسألة في حاجة إلى صرامة مطلقة نعالج بها هذا الخطر القادم من الشرق.
ويا إذاعتنا، ويا تليفزيوننا، ويا صحافتنا، انتبهوا حتى لا تكونوا شركاء - ولو بالجهل - بما يراد بنا ولنا.
أسرع يا بني وصور
بعيدا عن القضايا التي أصبح الحديث فيها «محلك سر»، بعيدا عن المناوشات الدائرة بين الحكومة والمعارضة، وبين الأقلام الصحفية والحكم، بعيدا عن الحديث عن الديمقراطية وعن السلفية والخلافات الطاحنة حول قضايا ما أنزل الله بها من سلطان، بعيدا عن «الحديث» عن الوفد الفلسطيني الأردني واحتمال قبول أمريكا ورفض إسرائيل، وتحسن العلاقات وسوء العلاقات، بعيدا عن الغلاء الذي يكوي القلوب والجيوب، والتسعيرة التي تظهر وتختفي كعفاريت الظهر، والخرفان المذبوحة على عتبة وزارة «التعليم»، والحمد لله أنها ليست على عتبة وزارة البحث العلمي والتكنولوجيا، بعيدا عن أزمة المسرح وأزمة الإبداع وأزمة الأخلاق، وقضية سميرة مليان.
بعيدا عن هذا كله.
অজানা পৃষ্ঠা