الشاعر
أنا غريب في هذا العالم.
أنا غريب، وفي الغربة وحدة قاسية، ووحشية موجعة، غير أنها تجعلني أن أفكر أبدا بوطن سحري لا أعرفه، وتملأ أحلامي بأشباح أرض قصية ما رأتها عيني.
أنا غريب عن أهلي وخلاني، فإذا ما لقيت واحدا منهم أقول في ذاتي: «من هذا، وكيف عرفته، وأي ناموس يجمعني به، ولماذا أقترب منه وأجالسه؟».
أنا غريب عن نفسي، فإذا ما سمعت لساني متكلما تستغرب أذني صوتي، وقد أرى ذاتي الخفية ضاحكة باكية، مستبسلة، خائفة، فيعجب كياني بكياني، وتستفسر روحي، ولكنني أبقى مجهولا، مستترا، مكتنفا بالضباب، محجوبا بالسكوت.
أنا غريب عن جسدي، وكلما وقفت أمام المرآة أرى في وجهي ما لا تشعر به نفسي، وأجد في عيني ما لا تكنه أعماقي.
أسير في شوارع المدينة، فيتبعني الفتيان صارخين: «هو ذا الأعمى فلنعطه عكازا يتوكأ عليها» فأهرب منهم مسرعا، ثم ألتقي بسرب من الصبايا، فيتشبثن بأذيالي قائلات: «هو أطرش كالصخر، فلنملأ أذنيه بأنغام الصبابة والغزل» فأتركهن راكضا، ثم ألتقي بجماعة من الكهول فيقفون حولي قائلين: «هو أخرس كالقبر فتعالوا نقوم اعوجاج لسانه» فأغادرهم خائفا، ثم ألتقي برهط من الشيوخ، فيومئون نحوي بأصابع مرتعشة قائلين: «هو مجنون أضاع صوابه في مسارح الجن والغيلان». •••
أنا غريب في هذا العالم.
أنا غريب وقد جبت مشارق الأرض ومغاربها.
فلم أجد مسقط رأسي، ولا لقيت من يعرفني، ولا من يسمع بي.
অজানা পৃষ্ঠা