المجلد الأول
كلمة العماد الأصفهاني
مقدمة
الكتاب الأول: عصر بني أمية
1 - تحول المدنية الإسلامية
2 - الجهاد بين الخلافة والملك
3 - سياسة معاوية وخلفائه
4 - ولاية العهد
5 - الحياة العلمية والأدبية للعصر الأموي
الكتاب الثاني: عصر بني العباس
অজানা পৃষ্ঠা
1 - الوجهة السياسية
2 - العصبية والموالي في الدولة العباسية
3 - الدعوة العباسية
4 - أبو العباس السفاح
5 - أبو جعفر المنصور
6 - المهدي
7 - الهادي
8 - هارون الرشيد
9 - الحياة العلمية في العصر العباسي
10 - الحالة الأدبية في صدر عصر بني العباس
অজানা পৃষ্ঠা
الكتاب الثالث: عصر المأمون
1 - محمد الأمين
2 - المأمون
3 - النزاع بين الأمين والمأمون
4 - الخليفة المأمون
5 - الوزارة والأعمال الحكومية في عصر المأمون
6 - خلاصة الحياة السياسية والاجتماعية
7 - شخصية المأمون
8 - الحياة العلمية في عصر المأمون
9 - الحياة الأدبية في عصر المأمون
অজানা পৃষ্ঠা
10 - نماذج لبعض الشخصيات البارزة في العصر المأموني
المجلد الثاني
ملحق الكتاب الأول
باب المنثور
باب المنظوم
ملحق الكتاب الثاني
باب المنثور
باب المنظوم
المجلد الثالث
باب المنثور
অজানা পৃষ্ঠা
باب الرسائل
باب المنظوم
بيان المصادر العربية والإفرنجية الهامة التي عولنا عليها في المراجعة لكتاب عصر المأمون
المجلد الأول
كلمة العماد الأصفهاني
مقدمة
الكتاب الأول: عصر بني أمية
1 - تحول المدنية الإسلامية
2 - الجهاد بين الخلافة والملك
3 - سياسة معاوية وخلفائه
অজানা পৃষ্ঠা
4 - ولاية العهد
5 - الحياة العلمية والأدبية للعصر الأموي
الكتاب الثاني: عصر بني العباس
1 - الوجهة السياسية
2 - العصبية والموالي في الدولة العباسية
3 - الدعوة العباسية
4 - أبو العباس السفاح
5 - أبو جعفر المنصور
6 - المهدي
7 - الهادي
অজানা পৃষ্ঠা
8 - هارون الرشيد
9 - الحياة العلمية في العصر العباسي
10 - الحالة الأدبية في صدر عصر بني العباس
الكتاب الثالث: عصر المأمون
1 - محمد الأمين
2 - المأمون
3 - النزاع بين الأمين والمأمون
4 - الخليفة المأمون
5 - الوزارة والأعمال الحكومية في عصر المأمون
6 - خلاصة الحياة السياسية والاجتماعية
অজানা পৃষ্ঠা
7 - شخصية المأمون
8 - الحياة العلمية في عصر المأمون
9 - الحياة الأدبية في عصر المأمون
10 - نماذج لبعض الشخصيات البارزة في العصر المأموني
المجلد الثاني
ملحق الكتاب الأول
باب المنثور
باب المنظوم
ملحق الكتاب الثاني
باب المنثور
অজানা পৃষ্ঠা
باب المنظوم
المجلد الثالث
باب المنثور
باب الرسائل
باب المنظوم
بيان المصادر العربية والإفرنجية الهامة التي عولنا عليها في المراجعة لكتاب عصر المأمون
عصر المأمون
عصر المأمون
تأليف
أحمد فريد رفاعي
অজানা পৃষ্ঠা
المجلد الأول
كلمة العماد الأصفهاني
إني رأيت أنه لا يكتب إنسان كتابا في يومه إلا قال في غده: لو غير هذا لكان أحسن، ولو زيد كذا لكان يستحسن، ولو قدم هذا لكان أفضل، ولو ترك هذا لكان أجمل. وهذا من أعظم العبر، وهو دليل على استيلاء النقص على جملة البشر.
العماد الأصفهاني
إلى حضرة صاحب الدولة عبد الخالق ثروت باشا
مولاي
لله علي نعمة التوفيق إلى الاتصال بك، والانقطاع لخدمتك، والاستظلال بظلك، فأنا أحد هؤلاء الكثيرين الذين تعهدهم فضلك، وثقفهم نصحك، وهذبهم أدبك، أولئك الذين أنت لهم أب بر، ومثقف حكيم، وأستاذ رشيد.
وكنت قد أخذت نفسي بأن أقف على خدمتك ما أملك من وقت وجهد، ولكن الإنسان طلعة بطبعه، فإذا اتصل بك فلا حد لرغبته في البحث، وحرصه على الجد، وطموحه إلى الكمال، وكذلك أراد الله أن أقتطع من هذا الوقت الذي وهبته لك خالصا ما أمكنني من وضع هذا الكتاب.
فهل تأذن لي يا مولاي أن أرفع إليك «عصر المأمون» على أنه أثر يهدى إلى منشئه، وحق يرد إلى أهله، واعتراف بالجميل من رجل مهما يفعل ومهما يقل فلن يوفيك بعض ما يدين به ضميره لك من حب وإجلال.
مد الله في حياة مولاي، وجعل مستقبلها كماضيها حافلا بالجد والتوفيق في خدمة أمته وعصره ومليكه.
অজানা পৃষ্ঠা
أحمد فريد رفاعي
أول يونيه سنة 1927
مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسل الله. وبعد، فإني أتقدم بهذا الأثر الضئيل من «عصر المأمون» إلى أمتي، وإلى الناطقين بالضاد من أبناء لغتي، وآمل بفضل إرشاد العلماء والنقاد أن يوفقني الله إلى إكمال النقص، وإصلاح الخطأ، وتلافي التقصير في الطبعات القادمة، معترفا في صدق وإخلاص بأن طبعتي هذه لا تعدو أن تكون «محاولة» لكتابة التاريخ العربي على النظم العلمية الحديثة، وأنت تعلم أن تاريخنا العربي لا يزال - بلا مبالغة ولا إغراق - تعوزه شتى المصادر، كما يعوزه التنظيم والترتيب والتحقيق والاستقراء.
وإني أسأله تعالى أن يجعلني ممن يذعن لكلمة الحق فيرعى حرمتها ويهتدي بهديها، غير مفتون بمدح المادح ولا مبتئس بقدح القادح.
كما أسأله أن يرشدني إلى المضي موفقا مسددا فيما أخذت به نفسي من البحث عن عصور «معاوية» و«المنصور» و«الرشيد» و«عبد الرحمن الأندلسي»، وآمل بمعونته تعالى، وبإرشاد العلماء والأدباء ومعونة المستشرقين والباحثين، وبما يهب لي الله من صبر وجلد ومواظبة ومثابرة، ومتابعة للدرس والاستقراء، وبما أوفق إليه من مصادر ونصوص، ومراجع ومظان، أن أكون عند الانتهاء من كتابة ما ارتهنت به - لو كان في العمر بقية - قد وفقت إلى تنظيم دراسة تلك البحوث تنظيما جزئيا يتفق ووسائلي ومقدوري، ويتمشى - إلى حد ما - والطريقة التحليلية الحديثة في كتابة التاريخ، وأن يكون عملي حين ذاك مما يسمح لي أن أقول في ثقة وإيمان: إني قد قمت حقا «بمحاولة» ذات أثر نافع تمكن غيري من اتخاذها أساسا لكتابة تاريخ المدنيات العربية الواسعة المدى، البليغة الأثر في الثقافات الإنسانية عامة، كتابة تاريخية صحيحة.
وقد وقع «عصر المأمون» في مجلدات ثلاثة؛ خصصت أولها بالتاريخ وما إلى التاريخ، وثانيها وثالثها بالأدب وما إلى الأدب، واعتمدت في تلخيصي للشعراء فيهما على أمهات المظان الأدبية، لا سيما كتاب «الأغاني»، وأعترف في صدق وإخلاص أن مهمتي في المجلدين الأخيرين لم تخرج عن مهمة المتخير لما في تلك العصور الزاهية من غرر ودرر، المنقب عما فيها من طرف وملح، الملخص لحياة أدبائها وشعرائها، المحتفظ بعبارات المعاصرين وشيوخ المؤلفين عنها.
وقسمت المجلد الأول إلى كتب ثلاثة عالجت فيها البحث عن عصور بني أمية وبني العباس والمأمون، وقد توخيت الإيجاز في فذلكتي التاريخية عن عصري الأمويين والعباسيين؛ لأنهما بمثابة تكأة وأساس لموضوعنا، كما لاحظت الاستمساك بالحيدة التامة وعدم التطوح مع أولئك المؤرخين والرواة الذين تأثروا بأهوائهم السياسية، ومعتقداتهم المذهبية، والذين نكبت بهم عن محجة الصواب مغالاتهم في الانتصار لفكرتهم الحزبية.
وقسمت المجلدين الثاني والثالث إلى ملحقات للكتب الثلاثة عن العصور الثلاثة، نشرت فيها ما وسعه المقام من المنثور والمنظوم والنصوص الطويلة والمقالات المستفيضة، وعنيت عناية خاصة إلى جانب ذلك بذكر جملة صالحة من آثار كاتب خاص وشاعر خاص على أنهما نموذجان لتمثيل عصرهما، واتخذت من عبد الحميد الكاتب وعمر بن أبي ربيعة نموذجا أمويا، ومن أبي الربيع محمد بن الليث وبشار بن برد مثالا عباسيا، ومن عمرو بن مسعدة وأبي نواس نموذجا لتصوير الحياة الكتابية والشعرية في عصر الأمين والمأمون، إلى غير ذلك من النماذج والآثار مما يستدعيه المقام، فجاء المجلدان الثاني والثالث بذلك مكملين للمجلد الأول.
অজানা পৃষ্ঠা
وأعتقد اعتقادا راسخا أنه لن يعترض علي معترض لعنايتي بالعصر العباسي من وجهتيه التاريخية والأدبية، فلم يعد «عصر المأمون» عن كونه شطرا يحفل به من العصر العباسي، كما أعتقد أنه مما لا مندوحة لنا عنه لتفهم العصر العباسي أن نصور لك العصر الذي قبله بما يسعه المقام، وهذا ما عالجناه لك في كتابنا بصورة متواضعة نأمل أن تكون فيها الغنية والكفاية لما نروم تصويره.
ولقد عدلت عما كنت ذهبت إليه من بيان المصادر والمراجع في نهاية كل صفحة، رغبة في ألا أشغل نظر القارئ بما لا يجدي عليه، وحرصا على توحيد مجهوده في استيعاب الموضوع وتفهم شتى مناحيه، ملحقا في الوقت نفسه نهاية المجلد الثالث بيان مصادر الكتاب لمن أراد توسعا؛ فتراجع ثمة.
وأحمد الله أن أبرز كتابي هذا في عصر النهضة الاستقلالية المصرية التي ازدانت برعاية مولانا المليك «فؤاد الأول» - حفظه الله - كما ازدانت بناصعة خدم أقطابنا وزعمائنا ذوي الصحف البيضاء، والآثار الخالدات الباقيات، وعلى رأسهم أصحاب الدولة الأجلاء، فقيدنا المرحوم المبرور «سعد زغلول باشا»، والقطبان الخطيران: «عدلي يكن باشا» و«عبد الخالق ثروت باشا»، فهؤلاء الثلاثة قد وهب الله لهم أصالة الرأي، ونبالة القصد، وثروة الذهن، وغنى العقل، وحباهم سدادا في سياسة، وتواضعا مع رياسة، وحكمة في كياسة، ونبوغا مع ثقافة، وحزما في حصافة، وأمتعهم بثقوب النظر، ورجاحة الفكر، وأفاض على أشخاصهم لينا ودماثة، وسماحة ووداعة، حتى أجمع القوم على حبهم إجماعهم على الاعتراف بوافر فضلهم، والإشادة بعطر ذكرهم، وتسابقوا إلى الاستفادة من سديد مواقفهم، وحكيم صنعهم، ونزيه أعمالهم، استفادتهم من أفاويق عرفانهم، وفيض بيانهم، ومقنع برهانهم .
وهؤلاء الثلاثة قد نجحوا في تكوين الأمة من الوجهة السياسية نجاحهم في تكوينها من الوجهة القومية.
فاللهم رحمة واسعة لزعيمنا الراحل الكريم، وعوضنا اللهم من خسارتنا الفادحة في فقده، أحوج ما كنا إلى عظيم جهوده، وهب اللهم حياة طويلة لقطبينا محط الآمال ومعقد الرجاء.
وأحمده تعالى على أن دخلت البلاد عهدا جديدا من حياتها العلمية بزعامة وزير معارفنا الهمام، مرهف العزمات، مسدد الوثبات، صاحب المعالي «علي الشمسي باشا»، ومدير جامعتنا المصرية العالم الجليل الأستاذ «أحمد لطفي السيد بك»، وغيرهما من رجالات العلم والأدب في هذا الجيل.
وإنني أنتهز هذه الفرصة لأشيد بما للمرحوم الأستاذ محمد الخضري بك من فضل عظيم، ومعترفا بما لصديقي الدكتور طه حسين، الأستاذ بالجامعة المصرية، من معونة قيمة في غير موضع من الكتاب، كما أنتهزها لأشكر لسادتي العلماء والأدباء ورجال الصحافة والمجلات حسن استقبالهم لكتابي، كما أحمد لحضرات النقاد الأجلاء جميل تشجيعهم، وحكيم أخذهم الأمور بهوادة ورفق، معترفا بصادق رغبتهم في الأخذ بناصر العلم والعلماء، قادرا أعظم قدر روحهم العالية فيما دبجوه فأجادوه، وكتبوه فارتفعوا بعلم النقد عندنا عما وصم به أخيرا من التطاحن والرماء، والجلاد والشحناء، والعمل على الهدم لا على البناء، كما أشكر لسادتي الأستاذين الجليلين: محمد عبد الوهاب النجار وعبد الخالق عمر، والكاتبين الأديبين: محمد الههياوي ومحمد صادق عنبر، حسن صنيعهم في تهذيب «عصر المأمون»، معترفا بعظيم جهد ثانيهما اللغوي. أحسن الله جزاءهم.
وإني أخص بالشكر رجال دار الكتب المصرية، وعلى رأسهم حضرات الأساتذة محمد أسعد برادة بك، مدير الدار ذي الخلق الوديع والهمة الشماء، وأحمد زكي العدوي أفندي، رئيس القسم الأدبي بالدار وصاحب الهوامش الحسان، وعبد الرحيم محمد أفندي ومحمد عبد الجواد الأصمعي أفندي المصححين به وصاحبي الأثر الطيب الجليل، ورجال هذا القسم كافة؛ فلهم الفضل الكثير، بهمة رئيسهم الفاضل، في ضبط الكتاب وتصحيح مسوداته، كما أشكر حضرة الفاضل محمد نديم أفندي ملاحظ الطباعة بالدار المشهور بالدقة والإتقان، ويلوح لي أن الله - تعالى - أحسن جزاء المأمون على حدبه وكبير عنايته بدور الحكمة «دور الكتب» العديدة في عصره، بأن وفق دار الحكمة في مصر - في هذا العصر - إلى رعاية عصره بهمة وإخلاص وتدقيق وتحقيق.
25 سبتمبر سنة 1927
أحمد فريد رفاعي
অজানা পৃষ্ঠা
الكتاب الأول
عصر بني أمية
الفصل الأول
تحول المدنية الإسلامية
(1) توطئة
حمل الفتح الإسلامي الذي فتحه الخلفاء الراشدون في سبيل الدعوة الدينية من العناصر المادية والاجتماعية والسياسية ما كانت له نتائجه وآثاره، فبعد أن كانت الأموال في أيام النبي
صلى الله عليه وسلم
نحو أربعين ألفا بين إبل وخيل، وبعد أن كان عمر بن الخطاب دهشا مرتابا حينما أبلغه أبو هريرة عند قدومه من البحرين، أنه أتى بخمسمائة ألف درهم، فاستكثرها عمر وقال: أتدري ما تقول؟ قال: نعم، مائة ألف خمس مرات. فصعد عمر المنبر وقال: «أيها الناس، قد جاءنا مال كثير، فإن شئتم كلنا لكم كيلا، وإن شئتم عددنا لكم عدا» - بعد أن كان دهشا من هذه الثروة أصبحنا نرى بعد عهده بقليل جسامة الهبات مما لا تعد هذه الأموال في جانبه شيئا مذكورا.
ونحن لا نعرض الآن للقول فيما وصلت إليه الثروة الإسلامية في أيام المأمون، ولا نعرض لفنون المدنيات العديدة التي سادت في عهده، لأننا رسمنا لأنفسنا خطة من لا يريد استباق الحوادث وآثارها، ولا التاريخ ونتائجه، وإنا نجتزئ الآن بكلامنا عن عصر قريب من عصر النبي
صلى الله عليه وسلم
অজানা পৃষ্ঠা
القريب العهد بتأثر الأذهان بالمثل العليا ...
من أبي بكر الذي مات ولم يجدوا عنده من مال الدولة إلا دينارا واحدا سقط من غرارة، والذي أوصى حينما دنا أجله بأن تباع أرض كانت له ويدفع ثمنها بدلا مما أخذه من مال المسلمين.
ومن عمر بن الخطاب الذي حرم على المسلمين اقتناء الضياع والزراعة؛ لأن أرزاقهم وأرزاق عيالهم وما يملكون من عبيد وموال، كل ذلك يدفعه لهم من بيت المال، فما بهم إلى اقتناء المال من حاجة، وليس للمال في نفوسهم من إغراء، ولا إلى ضمائرهم من إفساد.
هذه حال المسلمين المادية والمعنوية في عهد النبى
صلى الله عليه وسلم
وصاحبيه، نظر بينها وبين ما جد بعد ذلك من كثرة في المال وإسراف في الترف، مما كان له أعمق الأثر في تغير أحوال المسلمين الاجتماعية والمعيشية والخلقية.
يحدثنا ابن خلدون عن عامل أموي ليس بملك ولا خليفة، يحدثنا عن خالد القسري أمير العراق في أيام هشام، فيقول: إن غلته بلغت ثلاثة عشر ألف ألف درهم، ويثبت لنا ابن الأثير دليلا ليس بأقل مما ذهب إليه ابن خلدون قيمة وخطرا؛ إذ يقول ما نصه: «إن طارقا خليفة خالد على الكوفة لما ختن ولده أهدى إليه خالد ألف وصيف ووصيفة سوى الأموال والثياب»، وذكر اليعقوبي أن خالدا فرق أموالا عظاما مبلغها ستة وثلاثون ألف ألف درهم.
أجل! لقد تحولت الاعتبارات الاجتماعية وفاقا للتغيرات المادية، فبعد أيام الورع وغلبة سلطان الدين والعدل في أعطيات المسلمين، بعد أيام عمر وصحابة عمر التي نعلم الشيء الكثير من وجهة نظر عمد الدين الإسلامي فيها إلى المال - وهو عنصر حيوي شديد الأثر في تحول النظم المعيشية والاجتماعية والسياسية أيضا - وإلى ضرر اختزانه، فقد قال قائل لعمر بن الخطاب: «يا أمير المؤمنين، لو تركت في بيوت الأموال شيئا يكون عدة لحادث إذا حدث!» فزجره عمر وقال له: «تلك كلمة ألقاها الشيطان على فيك وقاني الله شرها! وهي فتنة لمن بعدي. إني لا أعد للحادث الذي يحدث سوى طاعة الله ورسوله، وهي عدتنا التي بلغنا بها ما بلغنا.»
بعد هذه النظرات التقشقية البريئة، نظرات الورع والزهد، سرعان ما حملت الفتوح معها ومع تلك الثروات الطائلة التي أتت بها ما غير عناصر عدة، فاختزن المال، وكانت الفتنة كما تنبأت نظرات عمر الصائبة إلى المال واختزانه، وذهبت في آثارها إلى ما هو أعمق وأخطر، ذهبت إلى الكيان الخلقي للعرب، فبدلت من سيرة قادتهم وسيرة شعبهم؛ كانت سيرة قادتهم عدلا وإنصافا، وسيرة شعبهم أنفة وانتصافا، فتبدل الحال غير الحال حتى أتيح لمصعب بن الزبير مثلا - وهو من بيت يناوئ بني أمية وينافسهم في الملك - أن يبذل ألف ألف درهم في زواجه من سكينة بنت الحسين، ومثلها في زواج عائشة بنت طلحة، في حين كان جند المسلمين يتضورون مسغبة وجوعا حتى كتب عبد الله بن مصعب إلى عبد الله بن الزبير؛ لمناسبة ما يعانيه الجند وترف شقيقه زعيم الجند:
بلغ أمير المؤمنين رسالة
অজানা পৃষ্ঠা
من ناصح لك لا يريد خداعا
بضع الفتاه بألف ألف كامل
وتبيت سادات الجنود جياعا
لو
1
لأبي حفص أقول مقالتي
وأبث ما سأبثكم لارتاعا
صدق الشاعر في قوله؛ إن تلك الحال ليرتاع منها عمر حقا، وليفرق من ذكرها أبو بكر، ويلتاع من سماعها علي، ولكن الحال تغيرت إلى مدى بعيد، حتى أصبح المال غرضا تشرئب لحيازته الأعناق، وتنزع نحو تملكه النفوس، إلى أن رأينا فيما بعد أن الحجاج بن يوسف لما حاصر الكعبة وفيها ابن الزبير، وتردد جنده في ضربها بالمنجنيق؛ جاء بكرسي وجلس عليه وقال: «يا أهل الشام، قاتلوا على أعطيات عبد الملك»؛ ففعلوا.
ذلك هو أثر المال في الأخلاق والأحوال والنفوس طبقا للتغيرات الاجتماعية.
ولنحاول فيما سنعقده من الفصول الآتية تبيان حال الدولة العربية أيام عثمان، وكيف وصل الأمر إلى معاوية، وكيف خرج الملك من بني أمية حتى وصل إلى بني العباس، ولنحاول بعد هذه التقدمة دراسة الحياة الأدبية إلى جانب دراستنا السياسية الاجتماعية؛ فإن ذلك ينفعنا كثيرا فيما نرومه من التكلم ببسطة في القول وتصوير صحيح لعصر المأمون الذهبي، ولا سيما الحياة الأدبية والعلمية فيه، ملاحظين في ذلك كله جانب القصد والإيجاز، مارين سراعا على جل الحوادث الكبار في ذاتها، والتي لا تعنينا كثيرا في موضوعنا - مثل عصر معاوية - مما نرجو أن نوفق في المستقبل القريب فنكتب عنه وعما فيه من أسرار وثورات. (2) نظام الحكم في عهد الصحابة
অজানা পৃষ্ঠা
الناس من حيث ميولهم ومعتقداتهم، دينية كانت أو سياسية، لا يكادون يعدون طبقة من ثلاث: محافظين، ومعتدلين، ومتطرفين.
ولسنا آخذين بسبيل من التوضيح لأحكام هذه الجماعات أو الأحزاب في حياة عثمان، ولا نظر كل فئة منهم إلى سياسة حكومته، وإنما يكفينا أن نقول: إن هذه الفئات التي تكون دائما قوة الرأي العام الذي كان له في حكومات الصحابة صوت يؤبه له وإرادة تحترم، مع مراعاة طبيعة النفسية العربية البدوية الشديدة الإباء والأنفة، هذه الفئات لم يكن شبابها ولا كهولها، زهادها ولا النفعيون فيها، براضين عن حكومة عثمان.
كان نظام الحكم في عهد الصحابة من حيث توزيع السلطات نظاما تيوقراطيا - إذا صح لنا هذا التعبير، وهو صحيح لا محالة - ذلك لأنهم بإيمانهم وتقواهم وكامل إسلامهم جعلوا الله تعالى مصدر السلطات الدينية والدنيوية، فكل شيء لله؛ المال مال الله، والجند جند الله.
ومن هذه الناحية توافرت الشورى، وتوافرت الكرامة الدينية، وربما كان المحافظون من رجال الدين يتبرمون من هذه الناحية أيضا بمنهج حكومة عثمان، التي لا نشك أن حزبها أيام عثمان لم يكن بذي خطر، اللهم في ماضيه من حيث الزعامة والسيادة وما إلى ذلك في العصر الجاهلي، ولكنه فاز أخيرا ولعبت الجماعة العثمانية، ومنهم الأمويون، دورهم المعروف ذا الأثر الكبير في العقلية العربية والمدنية الإسلامية. (3) حكومة عثمان ونظر الجماعات العربية إليها
وبعد، فماذا نقم الشباب والشيوخ من حكومة عثمان؟
أما نحن فلا يطلب منا أن نبدي رأينا في عثمان، فهو صحابي جليل، وله أثره الخالد في جمع القرآن وغير القرآن، وله دينه السمح الذي لا تشوبه شائبة، وما كان الدين ليحتم على الناس جميعا أن يكون نظرهم إلى الحياة الدنيا نظر التقشف والزهد، ولا يطلب منا أن نثبت ضعف الحكومة العثمانية، وإنما يطلب منا أن نسرد الحوادث بإيجاز، ولنا في تسلسل هذه الحوادث ودراستها وتقييد آثارها ما قد يسمح لنا بالتعرض له حين معالجتنا الكلام عن عصرنا فيما بعد.
نعود فنتساءل: ماذا نقم الشباب والشيوخ من حكومة عثمان؟
يقول اليعقوبي: «إن عثمان آثر القرباء، وحمى الحمى، وبنى الدار، واتخذ الضياع والأموال بمال الله والمسلمين، ونفى أبا ذر صاحب رسول الله وعبد الرحمن بن حنبل، وآوى الحكم بن أبي العاص وعبد الله بن سعد بن أبي سرح طريدي رسول الله
صلى الله عليه وسلم ، وأهدر دم الهرمزان ولم يقتل عبيد الله بن عمر به، وولى الوليد بن عقبة الكوفة فأحدث في الصلاة ما أحدث ولم يمنعه ذلك من إعاذته إياه.»
ويذكر اليعقوبي - في مكان آخر - ما كان من إغضاب عثمان لعائشة أم المؤمنين، ومكانة عائشة مكانتها، وأنه نقص ما كان يعطيها عمر بن الخطاب، وأنها تربصت بعثمان حتى رأته يخطب الناس فدلت قميص رسول الله
অজানা পৃষ্ঠা
صلى الله عليه وسلم
ونادت: «يا معشر المسلمين، هذا جلباب رسول الله لم يبل، وقد أبلى عثمان سنته.» وليس أدل على شدة حفيظتها عليه من امتناعها أن تقوم بالصلح بينه وبين الخارجين عليه حين اشتد عليه الأمر وصار إليها مروان فقال لها: يا أم المؤمنين، لو قمت فأصلحت بين هذا الرجل وبين الناس!
قالت: قد فرغت من جهازي وأنا أريد الحج.
قال: فيدفع إليك بكل درهم أنفقته درهمين.
قالت: «لعلك ترى أني في شك من صاحبك! أما والله لوددت أنه مقطع في غرارة من غرائري، وأني أطيق حمله فأطرحه في البحر.»
قلنا: إن نظام الحكم في عهد الصحابة من حيث توزيع السلطات كان نظاما تيوقراطيا في إرجاعه كل شيء إلى الله تعالى، وأن المال مال الله، والجند جند الله، وأن الحكم لله لا للناس.
ويقول لنا التاريخ: إنه كان بين عثمان وخازن بيت المال في عهده مشادة ومنافرة، وإن جل النقاد اتخذوا من هذه المشادة مطعنا في سياسته المالية، وثلمة يتهجمون منها عليه، وكانت هذه المشادة بينه وبين خازن بيت المال في أمر عطائه، حتى قال له عثمان: «إنما أنت خازن لنا؛ إذا أعطيناك فخذ، وإذا سكتنا عنك فاسكت»، فقال: «كذبت والله! ما أنا لك بخازن ولا لأهل بيتك، إنما أنا خازن المسلمين»، وجاء بالمفتاح يوم الجمعة وعثمان يخطب، فقال: «أيها الناس، زعم عثمان أني خازن له ولأهل بيته، وإنما كنت خازنا للمسلمين، وهذه مفاتيح بيت مالكم.» ورمى بها، فأخذها عثمان ودفعها إلى زيد بن ثابت.
وليس من شك في أن شباب العرب عامة، وقريش خاصة، لهم آمالهم ولهم مطامعهم وهم في مقتبل عمرهم حين يكون الطموح إلى اعتلاء المراتب الرفيعة مصطدما بالوازع الديني، وأنهم تألموا أن ينال عبد الله بن خالد بن أسيد خمسين ألف درهم، ومروان بن الحكم خمسة عشر ألفا، مع أن عثمان استردها منهما لما عوتب ونوقش، وتألموا أن يذهب آل عثمان بمناصب الدولة وهم يرون في أنفسهم من الكفايات والمواهب، ومن الحسب والنسب ما لا يقل عما لهؤلاء. •••
وما لنا نذهب بعيدا في الاستدلال على نظريتنا هذه والنفس الإنسانية هي هي الطموح إلى زينة العاجلة وزخرفها، وقد جاء في الأغاني في معرض كلامه عن أبي قطيفة الشاعر:
إن ابن الزبير مضى إلى صفية بنت أبي عبيد، زوجة عبد الله بن عمر، فذكر لها أن خروجه كان غضبا لله تعالى ورسوله عليه السلام والمهاجرين والأنصار من أثرة معاوية وابنه وأهله بالفيء، وسألها مسألته أن يبايعه، فلما قدمت لزوجها عشاءه ذكرت له أمر ابن الزبير واجتهاده، وأثنت عليه وقالت: ما يدعو إلا إلى طاعة الله - جل وعز - وأكثرت القول في ذلك، فقال لها: أما رأيت بغلات معاوية اللواتي كان يحج عليهن الشهب! فإن ابن الزبير ما يريد غيرهن.
অজানা পৃষ্ঠা
هذا رأي كبير من رجال العصر في خروج ابن الزبير يكشف لك ما كان يخالج نفوس الشباب من طموح إلى السلطان ولذاته، مع أن ابن الزبير كان خارجا على أهل بيت يرى جل الناس في ذلك العصر أنهم اغتصبوا الملك من أهله اغتصابا، ويظهر أن معاوية نفسه كان قد اقتنع بأنه لم يكن على الحق حتى كاد يتجنب مناجزة علي الحرب والعداء حين ذكره علي بكلام للرسول
صلى الله عليه وسلم ، لولا مقالة ولده له: «كلا! ولكنك رأيت سيوف بني هاشم حدادا تحملها شداد»، فثارت ثائرته وقال: «ويلك! ومثلى يعير لجبن! هلم إلي الرمح!» وأخذ الرمح وحمل على أصحاب علي.
فمعقول أن يغضب هؤلاء الشباب وأمثالهم من حكومة عثمان وهم يرون الغنائم والثروات تكتسح بلادهم - وللمال حكمه وسلطانه - ومعقول أيضا أن يغضب منها أمثال عمرو بن العاص الذي قال له عثمان - يوم ندبه ليعذره عند الناس فما كان منه إلا أن أضرم جذوة الحقد عليه: «يا ابن النابغة، والله ما زدت أن حرضت الناس علي ... يا ابن النابغة، قمل درعك مذ عزلتك عن مصر.»
هذا من ناحية النفعيين وفيهم المتطرفون، وهناك المعتدلون، وهؤلاء قد نأوا بجانبهم عن الفتنة، واعتزلوا الناس من شرها وآثارها، وهم لها كارهون، ومنها ناقمون، وهناك المحافظون الأتقياء حقا أمثال أبي ذر ورافع بن خديج وغيرهما من صحابة الرسول الذين نعلم من تقواهم وزهدهم، ومن حبهم للآخرة وإعلاء كلمة الدين الشيء الكثير، والذين يقول فيهم الجاحظ في رسالته عن بني أمية:
2 «إنهم كانوا على التوحيد الصحيح والإخلاص المحض.»
ولنوضح قليلا هذا النوع من المتقشفين حقا والمخلصين في عقيدتهم الدينية صدقا، ولنضرب مثلا بأبي ذر الغفاري، ولننظر ما يحكيه لنا ابن الأثير في هذا السبيل، فهو معتدل مستقر للحقيقة أكثر من سواه، يقول ابن الأثير: إن أبا ذر كان يذهب إلى أن المسلم لا ينبغي له أن يكون في ملكه أكثر من قوت يومه وليلته، أو شيء ينفعه في سبيل الله أو يعده لكريم، وكان يأخذ بظاهر القرآن:
والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم
فكان يقوم بالشام ويقول: «يا معشر الأغنياء، واسوا الفقراء، بشر الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله بمكاو من نار تكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم.» فما زال حتى ولع الفقراء بمثل ذلك، وأوجبوه على الأغنياء، وشكا الأغنياء ما يلقونه منهم؛ فأرسل معاوية إليه بألف دينار في جنح الليل فأنفقها، فلما صلى معاوية الصبح دعا رسوله الذي أرسله إليه، فقال: اذهب إلى أبي ذر فقل له: أنقذ جسدي من عذاب معاوية؛ فإنه أرسلني إلى غيرك وإني أخطأت بك. ففعل ذلك، فقال أبو ذر: يا بني، قل له: والله ما أصبح عندنا من دنانيرك دينار، ولكن أخرنا ثلاثة أيام حتى نجمعها. فلما رأي معاوية أن فعله يصدق قوله كتب إلى عثمان: إن أبا ذر قد ضيق علي، وقد كان كذا وكذا - للذي يقوله الفقراء - فكتب إليه عثمان: «إن الفتنة قد أخرجت خطمها
3
وعينيها ولم يبق إلا أن تثب، فلا تنكأ القرح، وجهز أبا ذر إلي وأبعث معه دليلا، وكفكف الناس ونفسك ما استعطت.» وبعث إليه معاوية بأبي ذر، فلما قدم المدينة ورأى المجالس في أصل جبل سلع، قال: بشر أهل المدينة بغارة شعواء وحرب مذكار. ودخل على عثمان فقال له: ما لأهل الشام يشكون ذرب
অজানা পৃষ্ঠা
4
لسانك. فأخبره، فقال: يا أبا ذر، علي أن أقضي ما علي، وأن أدعو الرعية إلى الاجتهاد والاقتصاد، وما علي أن أجبرهم على الزهد. ثم انتهت المحاجة إلى أن خرج أبو ذر من المدينة ونزل الربذة
5
فهذا النوع من التقشف المتبرم بحكومة عثمان، وذلك النوع من الشباب الطامح بعينيه إلى ما أصاب سواه منها، وتلك الجماعة المعتزلة التاركة الحبل على الغارب - كل هذه العوامل تجعلنا نقنع بنجاح الفتنة ضد حكومة عثمان وانتهائها بتلك المأساة المروعة التي كان فيها ما كان مما يحكيه لنا أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ: من قتل عثمان رضي الله عنه، وما انتهك منه، ومن خبطهم إياه بالسلاح، وبعج بطنه بالحراب، وفري أوداجه بالمشاقص،
6
وشدخ هامته بالعمد، مع ضرب نسائه بحضرته، وإقحام الرجال على حرمته، مع اتقاء نائلة بنت الفرافصة
7
عنه بيدها حتى أطنوا
8
أصبعين من أصابعها.
অজানা পৃষ্ঠা
كانت تلك المأساة المروعة التي تفتت القلوب الجلامد، وتنفجر لها العيون الجوامد، فلنقف عند ذكراها والهين آسفين.
هوامش
الفصل الثاني
الجهاد بين الخلافة والملك
(1) توطئة
نحن الآن مقبلون على فترة جهاد عنيف بين الخلافة والملك، فترة لا يصح أن تعتبر الجهاد فيها جهادا بين علي ومعاوية، أو بين علي وغير معاوية من منافسيه في الخلافة أو من الخارجين عليه، وإنما يخلق بنا أن نعتبرها بمثابة جهاد عنيف بين وجهات النظر العربية في الحياة؛ فإن موت عثمان رضي الله عنه لم يمت الفتنة، بل أذكاها وزادها ضراما واشتعالا.
وإنه لمن الميسور للناقد أن يلتمس العلة في أن الأحزاب العربية حين ذاك لم تجمع على سيدنا علي؛ ذلك بأن الجماعة الراغبة في الوظائف والأموال لم تجد فيه طلبتها وسؤلها، ولم تعثر فيه على أنشودتها ورجلها، بل على النقيض قد لقيت منه حاكما صلبا لا تلين قناته، سار فيهم سيرة الحق لا تأخذه في الله لومة لائم، وكانت حركاته وسكناته رضي الله عنه جميعها لله وفي الله، لا يغمط بها حق أحد، وكان لا يأخذ ولا يعطي إلا بالحق والعدل، حتى إن أخاه عقيلا، وهو ابن أبيه وأمه، طلب من بيت المال شيئا لم يكن له بحق، فمنعه رضي الله عنه وقال: يا أخي، ليس لك في هذا المال غير ما أعطيتك، ولكن اصبر حتى يجيء مالي وأعطيك منه ما تريد، فلم يرض عقيلا هذا الجواب، وفارقه وقصد معاوية بالشام. وكان لا يعطي ولديه الحسن والحسين أكثر من حقهما، فانظر إلى رجل حمله ورعه على هذا الصنيع بولديه وبأخيه من أبويه! فلما سار فيهم هذه السيرة ثقل على بعض الناس فعله، وكرهوا مكانه.
هذه خطة هؤلاء معه، أما خطة الشيوخ؛ فمنهم من آثر العزلة وترك حبل الأمة على غاربها تتطاحن أحزابها بين طلاب الخلافة، ومنهم الخوارج الذين غضبوا على علي كما غضبوا على معاوية، وندبوا من بينهم عبد الرحمن بن ملجم ليقتل عليا، والبرك بن عامر ليخلصهم من معاوية، وعبد الله بن مالك الصيداوي ليريحهم من حليف معاوية عمرو بن العاص، هؤلاء الخوارج كانت كلمتهم: «الحكم لله لا للناس»، فنقموا من علي خضوعه للتحكيم، وما خضع إلا مكرها معنتا. (2) كلمتنا عن علي رضي الله عنه
كان علي إماما دينيا، كان موئلا للشريعة، ومثالا للورع والاستمساك بأحكام الكتاب، كان مصدرا خصيبا من مصادر الفقه والتشريع، وكان في حكومته وحروبه على السواء مؤثرا رضا الله، ومغضبا شهوات الناس، وقادعا أطماعها، وكان عنوانا كاملا لأسمى صفات الخلق الإسلامي من حيث: النجدة والشجاعة لا الحذق والسياسة؛ كان مصلحا دينيا على أتم ما يكون عليه مصلح ديني، يتفانى في هذا الإصلاح ويؤثر الآخرة على الأولى، فيعمل لإرضاء الله لا إرضاء الناس، وكان كما وصفه عدي بن حاتم لمعاوية : «يقول عدلا، ويحكم فصلا، تتفجر الحكمة من جوانبه، والعلم من نواحيه، يستوحش من الدنيا وزهرتها، ويأنس بالليل ووحشته، وكان والله غزير الدمعة، طويل الفكرة، يحاسب نفسه إذا خلا، ويقلب كفيه على ما مضى، يعجبه من اللباس القصير، ومن المعاش الخشن، وكان فينا كأحدنا ... كان يعظم أهل الدين ويتحبب إلى المساكين، لا يخاف القوي ظلمه، ولا ييأس الضعيف من عدله؛ فأقسم لقد رأيته ليلة وقد مثل في محرابه وأرخى الليل سرباله وغارت نجومه، ودموعه تتحادر على لحيته وهو يتململ تململ السليم، ويبكى بكاء الحزين، فكأني الآن أسمعه وهو يقول: يا دنيا أإلي تعرضت أم إلي أقبلت! غري غيري لا حان حينك، قد طلقتك ثلاثا لا رجعة فيها.»
هذا هو علي حقا، علي الذي بالغ في التدقيق في محاسبة عماله حتى أغضب أكثرهم، وحتى خسر نصرتهم، وفي جملتهم مصقلة بن هبيرة الشيباني، وابن عمه عبد الله بن عباس بعد أن كان أكبر نصير له، والذي أغضب الزبير وطلحة وكان في مقدوره أن يضمهما إليه، والذي لم يكتسب إلى جانبه عمرو بن العاص، ولم يقبل نصيحة ابن العباس ولا المغيرة بن شعبة في إقرار معاوية وابن عامر وعمال عثمان على أعمالهم حتى تأتيه بيعتهم ويسكن الناس، ثم يعزل منهم من يشاء، وقال: «لا أداهن في ديني، ولا أعطي الدنية في أمري»، فقيل له: انزع من شئت واترك معاوية؛ فإن في معاوية جرأة، وهو في أهل الشام يستمع منه، وله حجة في إثباته بما كان من عمر بن الخطاب إذ قد ولاه الشام. فأبى وقال: لا والله لا أستعمل معاوية يومين، فلم تكن الحيل والخدع من مذهبه، ولم يكن عنده غير مر الحق؛ والذي يقول لأصحابه بعد أن أثخنوا في أعدائه: «لا تتبعوا موليا، ولا تجهزوا على جريح، ولا تنهبوا مالا»، فجعلوا يمرون بالذهب والفضة في معسكرهم فلا يعرض له أحد، إلا ما كان من السلاح الذي قاتلوا به والدواب التي حاربوا عليها، فقال بعض أصحابه: يا أمير المؤمنين، كيف حل لنا قتالهم ولم يحل لنا سبيهم وأموالهم؟!
অজানা পৃষ্ঠা