وفي هذا النص يذكر سبنسر القضايا الأساسية لفلسفته التطورية، ويستخلص ما يرى أنه أهم مضموناتها. «... تنطوي المعرفة المتسقة على أكثر من إيجاد الارتباطات، فعلينا ألا نقنع برؤية كل مجموعة صغيرة من الحقائق تحتل مكانها وسط مجموعة أكبر منها، وبرؤية المجموعات الكبرى تتسق فيما بينها، وإنما الواجب أن نبتعد مسافة ما، فننظر إلى التركيب العام من بعد تغيب فيه التفاصيل الصغيرة عن الأنظار، لنلاحظ طابعه العام.
فهدفنا في هذا الفصل يتجاوز نطاق تلخيص ما سبق، بل يتجاوز نطاق العرض المنظم له؛ إذ إننا سنجد أن الحقائق العامة التي توصلنا إليها من قبل تكشف في مجموعها، من نواح معينة، عن وحدة لم نلاحظها من قبل.
وهناك أيضا سبب خاص لملاحظة الطريقة التي تترابط بها مختلف الأقسام والفروع التي عرضنا فيها وجهة نظرنا، ذلك هو أن النظرية العامة التي عرضناها تجد لها ها هنا مثلا أخيرا يؤيدها.
فالجمع بين التعميمات التي عرضناها من قبل متفرقة، في صورة تامة التكامل، يزودنا بمثل آخر لعملية التطور، وفيه دعم آخر للنسيج العام لنتائجنا.
القسم 185 : وهنا نجد أننا قد عدنا، دون توقع، إلى تلك الحقيقة التي بدأنا بها، والتي ينبغي أن يستهل بها تلخيصنا هذا؛ إذ إن هذا النوع المتكامل للمعرفة هو، بغض النظر عن نظرية التطور، الصورة التي رأينا أنها هي أعلى الصور.
فعندما تساءلنا عن كنه الفلسفة، وعندما قارنا مختلف آراء الناس في الفلسفة؛ رغبة في الاهتداء إلى العنصر المشترك بينها بعد حذف العناصر المختلف عليها، وجدنا فيها كلها ذلك الرأي الضمني القائل إن الفلسفة معرفة تامة التوحيد. فبغض النظر عن كل نظام خاص من المعرفة الموحدة، وعن المناهج المقترحة التي يفترض أن التوحيد يتم بها، وجدنا في كل حالة اعتقادا بأن التوحيد ممكن، وبأن غاية الفلسفة هي الوصول إليه.
وبعد أن توصلنا إلى هذه النتيجة، نظرنا في المعطيات التي ينبغي أن تبدأ بها الفلسفة، فوجدنا أن القضايا الأساسية؛ أي القضايا التي لا تستنبط من قضايا أخرى أكثر منها أولية، لا تحدد إلا إذا بينا أن كل النتائج التي نبلغها على أساس افتراض هذه القضايا متوافقة تماما، وهكذا بدأنا بالمقدمة القائلة إن هذه القضايا ستظل تفترض حتى تثبت على هذا النحو، فاستمددنا معطياتنا من العناصر المكونة لعقلنا، والتي يستحيل دونها أن تستمر العمليات العقلية التي ينطوي عليها التفلسف.
وبعد تحديد هذه القضايا الخاصة، انتقلنا إلى بعض الحقائق الأولية؛ «عدم فناء المادة»، و«استمرار الحركة»، و«دوام القوة»، وهي حقائق تعد الأخيرة منها هي الأساسية، والأخريان مشتقتين. ولما كان قد تبين لنا من قبل أن تجاربنا المتعلقة بالمادة والحركة ترتد إلى تجارب متعلقة بالقوة، فقد اتضح لنا أيضا أن الحقيقتين القائلتين إن المادة والحركة لا تتغيران كما، إنما هما نتيجتان متضمنتان في الحقيقة القائلة إن القوة لا تتغير كما. وانتهينا إلى أن هذه هي الحقيقة التي يتعين إثبات جميع الحقائق الأخرى بالاشتقاق منها.
وكانت أولى الحقائق التي تبين أنها تثبت على هذا النحو هي «دوام العلاقات بين القوى»، وقد وجدنا أن هذه الحقيقة، التي تسمى عادة ب «اطراد القانون
Uniformity of Law »، وهي نتيجة ضرورية للحقيقة القائلة إن القوة لا تنشأ من العدم أو تتحول إلى العدم.
অজানা পৃষ্ঠা