reality
إنما يكون في الوعي، ومن هذا الواقع ينسب إلى اللاأنا ذلك الجزء الذي لا ينبغي أن ينسب إلى الأنا، والعكس بالعكس؛ فكلاهما شيء ما. واللاأنا هو ما لا يكونه الأنا، والعكس بالعكس. وفي مقابل الأنا المطلق، يكون اللاأنا لا شيء مطلقا (ولكنه لا يمكن أن يوضع في مقابل الأنا المطلق إلا بقدر ما يكون موضوعا للتمثل، كما سنرى فيما بعد)؛ ففي مقابل الأنا المنقسم، يكون اللاأنا كمية سالبة.
وهكذا يتعين على الأنا أن يكون مساويا لذاته، وأن يكون مع ذلك مضادا لذاته. ولكنه مساو لذاته فيما يتعلق بالوعي، وفي هذا الوعي يؤكد الأنا المطلق بوصفه غير منقسم، ويؤكد الأنا، الذي يقابله اللاأنا، بوصفه منقسما. وهكذا تتحد كل الأضداد في وحدة الوعي؛ إذ إن الأنا ذاته، بقدر ما يكون هناك لا أنا مقابل له، يكون فيها مقابلا للأنا المطلق، وذلك هو الاختيار الذي يدل على أن مفهوم القابلية للانقسام، الذي تم وضعه، هو المفهوم الصحيح.
وعلى أساس افتراضنا الأول، الذي لا يمكن إثباته إلا بالانتهاء من المعرفة، لا يمكن أن يكون هناك سوى مبدأ واحد مطلق غير مشروط ومبدأ واحد مشروط في محتواه، ومبدأ واحد مشروط في صورته. وإذن فلا يمكن أن يكون ثمة مبدأ آخر؛ فقد استنفد كل ما هو مؤكد على نحو مطلق غير مشروط، وأستطيع أن أعبر عن الكل بهذه الصيغة: «أنا أؤكد في الأنا لا أنا قابلا للانقسام مقابل أنا قابل للانقسام».
وليس في وسع أية فلسفة أن تمضي إلى ما وراء هذه المعرفة، وإنما ينبغي أن تصل إليها كل فلسفة دقيقة، فتصبح بذلك نظرية للعلم. وكل ما يمكن أن يحدث بعد ذلك في نسق الذهن البشري ينبغي أن يكون قابلا للاستنباط مما أثبتناه ها هنا.
الفصل الرابع
الديالكتيك والتاريخ
ج. ف. ف. هيجل (1770-1831م)
ينظر إلى فلسفة هيجل عادة على أنها القمة التي بلغها تطور المثالية التالية لكانت في ألمانيا. وهذه الفلسفة هي قطعا من أقوى المذاهب الفكرية تأثيرا في القرن التاسع عشر؛ فمن غير هيجل، يستحيل تصور ماركس، وعلى ذلك فمن الصعب بدونه تخيل الخلافات الأيديولوجية السائدة في عصرنا الحالي. ولكن هيجل كانت له آثار أخرى عديدة بعيدة المدى في الفكر الحديث، وهي آثار لا تقتصر على ميدان الفلسفة، بل تشمل النظريات الاجتماعية والتاريخ والتشريع. ولقد كنا على وشك القول بأن الميدان الوحيد الذي لم يكن لتفكير هيجل فيه أثر هو ميدان العلوم الفيزيائية، ولكن هذا غير صحيح؛ إذ إن علماء الفيزياء أنفسهم في روسيا ينبغي عليهم أن يشيدوا بالديالكتيك الهيجلي كما صاغه ماركس.
وليس من السهل أن يقدر المرء فلسفة هيجل حق قدرها؛ إذ إن الآراء لم تختلف حول فلسفة رئيسية بقدر ما اختلفت حول فلسفته؛ فالبعض ينظر إليه كما نظر القديس توما الأكويني إلى أرسطو، على أنه هو «الفيلسوف» الذي أتى بمذهب رحب يسع في داخله كل الفلسفات السابقة الضيقة النطاق. والبعض الآخر يعده «الخطأ الأكبر» الذي ارتكب في تاريخ الفلسفة. وفي هذا غرابة بحق؛ إذ إن كتابة هيجل تتصف بأسلوب لا شخصي لا يقل في جفافه عن أي كتاب في التقويم الفلكي. وليس في هيجل، من حيث هو إنسان، أي جانب طريف؛ إذ يبدو أن الهدف الوحيد لحياته كان القيام بدور كاتم سر «المطلق». ولكن إذا لم يكن في الرجل ذاته من الصفات ما يجذب المرء إليه كثيرا أو ينفره منه كثيرا، فإن ضخامة تأثيره كانت أمرا لا شك فيه. وقد ينفر المرء من فلسفته، ولكن أحدا لا يملك أن يتجاهلها.
অজানা পৃষ্ঠা