حاولت أن أتقدم للإذاعة، وذهبت إلى هناك وسجلت اسمي ضمن من يرغبون في اختبار أصواتهم. وتحدد الموعد، وذهبت فيه. ما هذا؟ إن اللجنة جميعها من الملحنين والمغنين. قلت: لعل الجماعة تكون أكثر عدلا من الفرد. وغنيت. أكملت الجزء الأول من الأغنية، وقيل لي كفى. وظهرت النتيجة؛ لا يصلح. عجبت! ثم سرعان ما زال عجبي، وعجبت من نفسي. كيف ظننت أن أجد العدالة عند هؤلاء؟ كيف توهمت أن أجد العدل عند الجماعة حين أفقدها عند الفرد؟ وهل الجماعة إلا مجموعة أفراد؟
إن كل ملحن من هؤلاء أدرك بخبرته السر الإلهي الذي أتمتع به ملحنا ومغردا. ضاقت بي المسالك ولكنني أبيت لظل من الشك أن يتسرب إلى يقيني أنني أتمتع بأعظم موهبة موسيقية عرفها التاريخ.
فكرت أن أذهب إلى شارع محمد علي؛ فقد رأيت في أفلام مصرية كثيرة أن أغلب المشاهير من المطربين بدأ حياته هناك.
ظللت أتردد على مقاهي الشارع الضيق حتى كان يوم جلست إلى أحد المقاهي وسمعت جاري يقول لرفيق جلسته: ألا تعرف لي مغنيا لاطشاه الشمس يحيي لي فرح الليلة؟ - ماذا؟ أنت الذي تسأل هذا السؤال؟ وكل المغنين الذي لطشتهم الشمس صبيانك. - كثرت الأفراح وكلهم الليلة مرتبط. - إذا كنت لا تعرف فلا تنتظر أن يعرف أحد. ودون ريث تفكير قلت بصوت مرتفع: أنا.
ويبدو أن جاري لم يتصور أن الكلام موجه إليه فراح يكمل حديثه. - أي مطرب حتى وإن لم يطرب. وصحت من جديد: أنا. أنا يا أستاذ.
والتفت إلي جاري وقال: أتكلمني يا أخ؟ - نعم يا أستاذ. - أنت تغني؟ - أنا مطرب لا مثيل له، لا ينقصني إلا الجمهور. - وأنا عندي الجمهور. - ألا تسمعني؟ - أسمعك في الفرح إن شاء الله. - أمرك.
وذهبت إلى الفرح. كان في شقة ببيت قديم بحي شبرا، ولكن أصحاب الفرح أقاموه في سطح المنزل. وكان السطح كبيرا مزدحما بالناس من شتى الأعمار. ويبدو أن صاحب الفرح كان من مدمني الشرب؛ فالخمر الرخيصة متناثرة بقوة على الموائد، والحضور يتوقون إلى السرور فهم على استعداد أن يختلقوه اختلاقا إن لم يتوافر لهم.
وهكذا كان استقبالهم للراقصة رائعا فالأصوات جئير وصراخ. وأغلب الظن أنها كانت أصوات الحيوان في الإنسان كشفها سعار الخمر فانفجرت زئيرا أو نهيقا أو عواء، أيها شئت؛ فكلها أصوات حيوان.
وأعقبها الفتى الذي يلقي المنولوجات والنكات، وقد كان استقباله مزيجا من السرور والغضب؛ فقلما ترضي النكتة جميع المستمعين لها، وخاصة إذا كانوا جمعا حاشدا وجمهورا غفيرا، ولكن على أية حال مر الأمر بسلام، وانتهى المنولوجست من نمرته ونزل دون أن تحدث خسائر في الأرواح.
وقدمني متعهد الحفل بالموسيقار العبقري وصاحب الصوت الملائكي. وراحت الفرقة تعزف الموسيقى التي اتفقت معها عليها وبدأت الغناء.
অজানা পৃষ্ঠা