اليوم قدمت استقالتي وجئت إليك قبل أن أذهب إلى البيت؛ لأن حياتي التي أحببتها تركتها عندك في تصورك لي وفي معرفتك بي. وقد جئت إليك لأصحب نفسي الأولى، وحياتي التي أحببتها ولم أحب غيرها، وأعود إلى الدنيا بما أحب أن تراه مني وما أحب أن ألقاها به. سلام عليك.
صورة ليست كاريكاتورية
بطاقات هنداوي
كان يلم ببيتنا رجل في خمسينات عمره. وكان قوي البنية أحمر الوجه، يهتم بأناقته ما أتاحت له موارده القليلة أن يتألق فشعره الأشيب دائما مصفف في انتظام وهدوء وحلته قديمة، ولكن أثر الكواء عليها أكبر من أثر الزمن، ورباط عنقه رخيص، ولكنه يعنى بكيه ويعنى بربطه. فقد كان رخصه يحتم عليه أن يكويه ما أمكنته الفرصة، فكانت المكواة لرباط العنق أشد فتكا من الزمن ومن دقة الربط.
وكان هنداوي يتحدث دائما عن أيام شبابه الذهبية؛ فقد كان حامل أثقال. وقد أصاب في هذا المنحى نجاحا، إن لم يصل به إلى الشهرة، فقد وصل به إلى أن يجعله هو ذكريات مشرقة لشبابه في الشيخوخة، ومنجم حديث باللسان بعد أن عجزت الذراعان أن تتحدثا.
ولكن أطرف ما كان يطالعنا من هنداوي بطاقاته؛ فقد كان له في كل فترة بطاقة جديدة. وبهذه البطاقات كان هنداوي يتفرد بين زوار بيتنا الكثيرين. وقد كنا جميعا حريصين أن ننال هذه البطاقات، نعلق عليها هذه التعليقات الخبيثة التي يتقنها من هم في مثل ما كنا فيه من سن في تلك الأيام. وكان هو يعتبر هذه السخرية مديحا ويسعد به كل السعادة. العجيب أن هذه البطاقات كانت تحمل دائما صورته التي كان وضعها يتغير في كل بطاقة، وكانت تحمل دائما بيتا أو بيتين من عيون الشعر العربي في الفخر. وكانت الأبيات أحيانا تكون في الهجاء إذا أراد أن يشتم أحدا تطاول عليه، ولم تسعفه قوته العجوز أن يرد التطاول باللكمات.
وما زلت أذكر بعض الأبيات التي كان يختارها ويضعها تحت صورته فهو مثلا يكتب:
الخيل والليل والبيداء تعرفني
والسيف والرمح والقرطاس والقلم
أو هو يضع:
অজানা পৃষ্ঠা