قالتها الأخرى خجلة، بسرعة وبعين باهتة. قلت لهما: أنا رأيي برضو زي رأيكم، حتسكنوا في الخرطوم جميعكم عشان الأولاد والبنات يدخلوا المدارس ويتعلموا حاجة تنفعهم.
بتلقائية وعاطفة نقية وروح حلوة انقضت علي المرأتان بوسا وحضنا، وتحدثتا حديثا جعلني أبكي، لقد وصفن لي الحياة هناك، فصلتاها تفصيلا محزنا، قالتا لم يبق هناك سوى الموت، قالتا ما لم أره في زياراتي إلى القرية، وعرفت أني كنت أرى القرية وفي ذهني صورها قبل عشرات السنين، وما كنت أرى من واقعها الحالي شيئا، وحسيت بأنني كنت أنانية عندما أخذت منها عمودها الفقري ونبيها وابن نوحها.
قال الخير محتجا: والأرض؟
قالت زينب الصغرى: أنت حتمشي تبيعها لو في زول يشتري خرابة بيعها ليهو، ولو عايز تقعد فيها، أقعد اسقيها، وأحسن تنساها نهائيا. - والتمرات، التمرات برضو، أنتو بتحلموا ساي؟
قالت له زينب الصغرى: والتسعة أشهر اللي قاعدها في الخرطوم دي كانت شنو؟ دا ما النسيان ذاتو!
ثم أضافت: الحاجة أم الخير قاعدة هناك، تقوم بالواجب، مش حتمشي تشوف أمك؟ - يا ولية أنت قايمة علي كدا ليه؟
أختاي نوار ونورة تسكنان في السلمة مع أطفالهما، ولدي أنا بيت كبير هناك لا يبعد كثيرا عن منزل آدم وسارة حسن والمنزل فارغ، به الخفير فقط، أخذنا الأسرة الكبيرة إلى هناك، المشكلة الأساسية كانت في تعليم الأطفال؛ حيث إنهم لا يمتلكون شهادات ميلاد ولا يمكن إثبات أعمارهم إلا بالحكايات والقصص والمقاربات، والمشكلة الكبرى أن السنة المدرسية في نهاياتها.
والحل الذي هدتني إليه زينب الكبرى كان عمليا ومنطقيا؛ قمنا ببناء فصل داخل الحوش من الحصير والمواسير الصلبة، وأتينا بمعلمة واحدة، معلمة صف، وانتظم الجميع ؛ الأمهات وأطفالهن في الصف الأول الابتدائي من منازلهم، ولكن الخير كان «ينقنق»: أنا ما عايز أولادي يتربوا في البلد دي، كلها فساد وشر وصعاليك ومتشردين.
وأصبح موضوع العودة للقرية هو الصباح والغداء والعشاء، وخاصة عندما تمردت بنته الصغرى «ست البنات» على المعلمة وقالت: أنا ما عايزة أقرأ، عايزة أرجع الحلة.
وانضمت إلى صف الخير، ولو أن الخير كان يعرف تماما سبب تمرد ابنته، إلا أنه فضل ضمها إليه على الأقل الآن، أما في القرية فموضوع المحجوب ود المحجوب حيتعالج بسهولة.
অজানা পৃষ্ঠা