ولكن قد علمت أن وراء تلك الدائرة دوائر.
فقلت في حالي: هب أني نجوت من هذه الدائرة ...
كيف أنجو من الثانية والثالثة والرابعة؟
المحراب نظيف، وفراش المختار يشع جمالا وسكونا، كتبه على المنضدة، مصحفه على المقرأة، حذاؤه الجلدي المركوب الفاشري على المحذأة، يفوح عطر الصندل من كل أنحاء المكان، المصلاة مهيأة موجهة إلى القبلة، كل شيء يؤكد أن المختار موجود الآن، وأنه خرج ليتوضأ ويعود بعد لحظات قلائل، إنه الآن يدخل المحراب، طويلا يرتدي الدمور الأبيض، يسلم على السيدتين ولا ينتبهان، كانت سارة حسن تحدثني عن السجن والشرطي الوسيم ... قالت وهي تكتب: إذا جمعنا قبح العالم كله لن يساوي شيئا يسيرا من قبح البنتين السجينتين وفجورهما، جاءتا إلي في الزنزانة في ذات الصباح وطلبتا مني العفو، قالتا إنهما يفعلان ما يؤمران، وإنهما يفضلان الحياة بمائة مرة على الموت، وإنهما يرغبان في الخروج من المعتقل؛ يستكملان دراستهما، يتزوجان وينجبان أطفالا مثلهما مثل كل النساء ... - وأظنك كذلك تحبين الحياة.
قالتا إنه لا أخلاق في هذا المكان ولا دين ولا رب ولا رسل ... هنا فقط الضابط الوسيم؛ الأول والأخير.
بصقت في وجه إحديهما، مسحت البصقة بظهر كفها، طلبتا مني العفو مرة أخرى مما أحرجني؛ فاعتذرت لها.
فاغتصبني في ذات الليلة بدون عشاء مفخخ، رغم الجرح والألم، رغم النزف، لكني لم أستعطفه، لم أرجه، لم أصرخ، كنت أبصق في وجهه كلما امتلأ فمي باللعاب؛ يبتسم.
ثم بعد ذلك طلب مني أن يتزوجني، مؤكدا أنه اكتشف أن كل ما كان يدور حولي من تهم مجرد افتراء حكومي بغيض، وتكفي عذريتي التي انتهكها شاهدا على براءتي. قال ذلك وفي فمه ما يشبه الموت.
تزوجني بحضور شهود لهم جلابيب بيضاء وعمامات بيض وأوجه قبيحة، وقرءوا ما تيسر لهم من القرآن، وأخذت إلى شهر العسل في الفندق العجوز الذي اكتشفت أننا القاطنان الوحيدان به. حراس، عسكر الدورية، وأنين يأتي من البعيد ليلا ونهارا. كان مكانا مرعبا فارغا لا حياة فيه سوى الفراغ، الصالات الضخمة الفارغة، البهو الكبير الفارغ عند المدخل، عشرات الحجرات الكبيرة الفارغة، الممرات التي تمضي بين هنا وهنالك في صمت وفراغ، صدى طرقات الريح على الأبواب والنوافذ، هبوبها في المماشي الفارغة، صليل أنفاس الفراغ، صدى صرخات الوطاويط الحزينة السجينة بالمكان، رائحة الموت.
لحق بنا مايكل وبرهاني وأمين، خلعوا الأحذية عند المحراب، لم ينتبهوا إلى ما كتب مقابلا للمدخل من مقالة إبليس في طس الدائرة، دخلوا، جلسوا على الأرض في أدب جم.
অজানা পৃষ্ঠা