فتقدم السادن وأدنى فاه من أذنه وهمس قائلا: «إن الموبذ في خلوة مع بعض الكبراء في هذه الحجرة التي إلى اليمين، فانتظر خروجه أو افعل ما شئت.»
فمد وردان يده إلى جيبه وأخرج دنانير دفعها إليه وهو يبتسم وقال: «ألا تأذن لي أن أدنو من الحجرة أصلي بجانبها استئناسا بمولانا الموبذ.»
فتناول السادن الدنانير وقال: «افعل ولكن احذر أن يشعر بك أحد.»
فقال: «طبعا.» وهرول إلى الحجرة معتزما أن يحتال للدخول على الموبذ ويبلغه أمر المرزبان. فلما دنا من الباب رأى الموبذ ومعه رجلان بلباس فاخر. عرف أن أحدهما «الأفشين» ثم ما كاد يعرف الآخر حتى اضطرب دهشة إذ عرف فيه رجلا في نفسه منه أمر عظيم، وهو أصبهنذ (نائب) بابك الخرمي.
وأخذ يسائل نفسه عما جاء به من أردبيل في أرمينيا، وبينها وبين فرغانة سفر طويل؟ فلما لم يجد جوابا شافيا وقف في مكانه متظاهرا بالصلاة والدعاء، وأخذ يفكر في سبب هذه الخلوة في بيت نار المجوس بين «الأفشين» قائد جند المسلمين، ونائب بابك الخرمي المجوسي ألد أعداء المسلمين!
وبعد هنيهة تحول إلى فرجة تؤدي إلى ممر وراء الحجرة به نافذة تشرف على ما في داخلها بحيث يرى الجلوس فيها وهم لا يرونه. فتربص وأخذ يتفرس فيهم فرآهم جالسين على بساط من الديباج؛ الموبذ بقلنسوته وقبائه الأرجواني، والأفشين بعمامته حول القلنسوة. والأصبهبذ بالقلنسوة بلا عمامة. وكان عهده بالأفشين يلبس الجبة السوداء شعار العباسيين، وطالما رآه يصلي بمسجد سامرا. فعجب لارتدائه القباء الأرجواني الذي يلبسه كبار المجوس في العيد. ولوجوده مع المصلين في بيت النار. على أنه لم يستغرب مجوسية الأصبهبذ؛ لعلمه بأنه لم يعتنق الإسلام.
وأصاخ بسمعه إلى ما يقولون فسمع الموبذ يقول: «سنفوز بعون أورمزد، ولكن علينا أن نصبر.»
قال الأصبهبذ: «إننا صابرون، ولن يطول اصطبارنا بشرط.» وسكت فجأة. فقال الأفشين: «لا بأس من الصبر وإن طال، ولكن ما كان ينبغي لصاحبك أن يغير رأيه في.»
فقال الأصبهبذ: «إنه لم يغير رأيه فيك، ولكنه رآك أصلت التقرب من أولئك اليهود الذين يسمون أنفسهم مسلمين أو عربا. وقد أرسلني للاجتماع بك في هذا العيد لأذكرك بعهدك بين يدي الموبذ.»
فضحك الأفشين وقال: «ربما ظن صاحبك أنني غافل عما تعاهدنا عليه هنا منذ بضع سنين ومعنا المازيار صاحب طبرستان. ولكن هذا هو الموبذ يشهد بأني أقمت بعهدي.»
অজানা পৃষ্ঠা