وكان ضرغام شابا في حوالي الثلاثين من العمر قد كمله الله خلقا وخلقا؛ ربع القامة، ممتلئ الجسم، عريض المنكبين، واسع الجبهة كبير العارضين كث اللحية، تلوح البسالة والهمة في عينيه، وتتجلى المروءة وصدق اللهجة حول شفتيه. وعلى رأسه قلنسوة قرمزية حولها عمامة سوداء، وقد لبس قباء سماوي اللون تمنطق عليه بمنطقة علق عليها سيفا قبضته مذهبة، وتحت القباء سراويل من الخز الأرجواني وفوق القباء حبة سوداء، وقامته قامة الأبطال؛ إذا وقف حسبته جبلا راسخا.
وكان قد دخل على المرزبان غير مقدر أن يلقى جهان هناك، فلم تكن دهشته أقل من دهشتها.
أما هي فلما وقع بصرها عليه لم تعد تعلم كيف تخفي عواطفها، فإذا استطاعت إخفاء خفقان قلبها وارتعاش أعضائها فكيف تستطيع إخفاء ما ظهر من التورد في وجنتيها أو الإشراق في عينيها. وقد نسيت مرض أبيها وأصبح همها أن تلاحظ ما يبدو منه نحو حبيبها من ترحاب أو انعطاف، فلما رأته يرحب به فرحت وكانت بجانب الصنم فأسندت ظهرها إلى العضادة وتشاغلت بمسح ما على الصنم من الغبار مخافة أن يبدو ارتعاشها، ولم تغط وجهها؛ لأن نساء تلك البلاد لم يكن يعرفن الحجاب يومئذ ولا سيما جهان فقد كانت تستنكف من تغطية وجهها وتعد الحجاب جبنا وضعفا.
ولا تسل عن سرور ضرغام بتك المصادفة. وساعده في إخفاء عواطفه السلام على المرزبان فأكب على يديه يقبلهما. فأمر بوسادة جلس عليها وجلست جهان على وسادة أخرى، وأخذ المرزبان يسأله عن حاله فقال ضرغام: «قد أسرعت في الزيارة لأكون أول من يهنئك بهذا المهرجان المبارك، ولم أكن أعلم أنك متوعك فأرجو أن تكون أحسن حالا.»
فقال المرزبان: «أصبحت مرتاحا اليوم وقد سررت برؤيتك وأنت تعلم حبي لك.»
فانحنى ضرغام شاكرا، وسره عطفه عليه، ولكن سروره لم يكن شيئا يذكر بالقياس إلى سرور جهان، فكانت تسمع كلمات أبيها وقلبها يرقص فرحا فأجابه ضرغام: «إني أشكر لسيدي المرزبان التفاته إلى ضيفه، وقد تأكدت فضله علي من قبل وأنا غرس نعمته.»
فخجل المرزبان من ذلك الإطراء وسأله: «أقادم أنت توا من العراق؟»
قال: «نعم يا سيدي، وقد وصلت إلى فرغانة مساء أمس.»
قال: «وكيف فارقت القوم هناك؟»
قال: «فارقتهم في شغل شاغل بالمشكلات، وكل واحد يخاف صاحبه ويحذره، ويستعين عليه بجند من غير جنسه. وإنما السبق اليوم للجند التركي.»
অজানা পৃষ্ঠা