قال: «ما رأيك في الجهة التي نهاجم البلد منها حتى نضمن الدخول إليها؟»
فوقف سامان وأشار بيده إلى جبل في طرف البذ وقال: «من هنا يا سيدي. أرأيت هذا الجبل؟ إن بابك يقيم الكمناء في سفحه لعلمه أن العدو إذا تجاوزه سهل عليه دخول المدينة، فإذا احتال مولاي في الإتيان من ورائه ظفر.»
فسر الأفشين من قدوم سامان، وهم بأن يستزيده إيضاحا، فإذا بالحاجب دخل يقول: «إن بريد أمير المؤمنين بالباب.» قال: «يدخل.»
فدخل البريدي وعلى وجهه أمارات السفر والتعب وعلى صدره صفيحة البريد النحاسية وعليها علامة خاصة. ووقف فناداه الأفشين: «تقدم. ما وراءك؟»
فتقدم البريدي ودفع إليه لفافة حريرية عليها خاتم الخلافة، فتناولها وقبلها ثم فض خاتمها فإذا داخلها أنبوبة من فضة مختومة ففتحها وأخرج منها كاغدا ملفوفا نشره وأخذ يقرأه وسامان يراعي حركاته وملامح وجهه فرآها تغيرت، حتى إذا فرغ من تلاوته أشار إلى البريدي فانصرف، والتفت إلى سامان وابتسم ليزيده استئناسا وترغيبا في خدمته، وكان سامان واقفا فأمره بالجلوس وقال: «أتعلم ما في هذا الكتاب؟»
قال: «من أين لي علم الغيب؟»
قال: «إنه كتاب المعتصم يحثني فيه على الثبات، ويبشرني بأنه أرسل إلي نجدة بقيادة صاحبه ضرغام.»
فقال سامان: «أترى صاحب أشروسنة في حاجة إلى النجدة وهو الملك والقائد، وجنده يملأ السهل والجبل؟»
قال: «كلا. وأمير المؤمنين يعلم ذلك. وأخشى أن يكون الرجل قادم لغير الحرب. أخشى أن يكون قد عرف أمر جهان ... وسواء أعلى علم أم لم يعلم فجهان لا يمسها أحد سواي، إن لم يكن حبا لها وافتتانا بها فانتقاما من كبريائها وقحتها. إني لا أنسى ذلك اليوم في فرغانة.»
فقال سامان: «أما ضرغام فلا شك أنه لم يعلم بأن أختي هنا، بل هو لا يعتقد أنها على قيد الحياة. وقد يكون كره الحياة بعدها لكلفه بها فأتى إلى ساحة القتال رغبة في الموت، فإني أرى في الناس جنونا لم أجربه؛ أراهم إذا أحب أحدهم فعل فعل المجانين حتى يجازف بحياته غراما بحبيبه وإذا توفى الله أحدهم أراد الآخر أن يتبعه.»
অজানা পৃষ্ঠা