قال: «لها أخ أجرد قبيح الخلق والخلق كأنه ليس أخاها.»
قال: «لعل المرزبان من أهل المدينة؟»
قال: «بل هو غريب عنها جاءها وهو شاب منذ ثلاثين سنة أو أربعين، واتخذها وطنا له فرارا من المسلمين العرب. وكان حاكما في بعض مقاطعات فارس فقاسى اضطهادا ولم يشأ أن يبدل دينه فأتى بأمواله وأقام هنا.»
فسأله: «وهل هو غني يا صاحبي؟»
قال: «له ثروة طائلة، وأكثر المغارس خارج فرغانة على ضفة نهر الشاش ملك له، فضلا عن المنازل والنقود والجواهر. ولكن ما لنا وله؟ دعنا من ذلك وامض بنا إلى سوق اللحم لنبتاع خروفا نذبحه لأولادنا.»
وكان رفيقه من محبي الاطلاع على أخبار الناس والاعتراض على أعمالهم فلم يصغ لرأي صاحبه، بل قال: «قل لي كيف تخرج هذه الخاتون من البيت في مثل هذا اليوم؟»
فضحك رفيقه وقال: «كأنك تريدها أن تبقى في البيت لتعجن العجين وتخبزه ولتطبخ الطبيخ كما تفعل نساؤنا؟! إنها يا صاحبي سيدة بيت أبيها، وقد توفيت والدتها منذ أعوام فلم يتزوج المرزبان بعدها إكراما لها، فهو يحبها حبا جما ويعاملها كأنه عاشق يدلل عشيقته!»
قال: «لست أعني أن تقيم في البيت للعجن أو الطبخ بل تبقى فيه لاستقبال الزائرين الذين يتوافدون على بيت أبيها بالهدايا والتحف في يوم العيد.»
فقطع الآخر كلامه قائلا: «دعنا من ذلك يا صديقي، وسر بنا إلى السوق لننتقي خروفا نشتريه.»
وكان الموكب قد جاوز الرجلين حتى خرج من المدينة إلى الأرباض، ومنها إلى البساتين، فوقف عند مضرب لبعض أتباع المرزبان تعودوا استقبال هذا الموكب فخفوا لملاقاته. فلما وقفت المركبة ترجل السائق ووقف بجانب الجوادين ليمنعهما من السير أثناء نزول الخاتون، وتقدم أحد الخصيان للأخذ بيدها، وكانت قد قربته للطفه وخفة ظله واسمه «مرجان». فوقف بجانب المركبة لا يتجرأ على إزاحة الستارة. فطال وقوفه دون أن تفتح أو تطل الخاتون، ولكنه سمع حديثا داخل الستارة فتاق إلى معرفته، ولكن رده التهيب عن الإصغاء لسماعه. وكان رجال الموكب والأجراء في المزرعة واقفين ينتظرون ترجل جهان. فلما أبطأت قلقوا. وكان جوادها الأدهم أشد قلقا منهم. فأخذ يفحص الأرض بقوائمه وسائسه لا يقوى على زجره. ثم صهل كأنه ينادي صاحبته أو يستعجلها، فإذا بستارة المركبة قد أزيحت ونزلت منها امرأة كهلة في الخمسين من عمرها عليها سمات الرزانة، وقد زادها الانقباض فتنة، وكانت ترتدي ثوبا يغطي كل جسمها، وعلى رأسها وعنقها خمار أحمر لا يظهر غير وجهها. فعرف الواقفون أنها القهرمانة خيزران مربية جهان ووصيفتها ومستودع أسرارها.
অজানা পৃষ্ঠা