قالت: «سمعت بهزاد يثني على امرأة من نساء القصر اسمها هيلانة، فلعلها تؤنسنا إذا عرفناها. هل لك أن تبحثي عنها وتأتيني بها؟ وقبل ذهابك هيئي لي ثيابي.»
فأعدت لها ما تحتاج إليه ومضت، وكانت الشمس قد آذنت بالزوال، وأخذ الخدم في إنارة القصر بالشموع، فبدلت جهان ثيابها واستلقت والتفتت إلى ما حولها، فلما رأت نفسها في تلك الحيرة وبينها وبين فرغانة سير بضعة أشهر، وكذلك بينها وبين سامرا، فكرت في ضرغام وساءلت نفسها: ترى هل علم بما أصابها؟ أو هل من سبيل إلى إنبائه بمكانها وما هي فيه فلعله يستطيع إنقاذها. ثم تذكرت أخاها سامان وساءلت نفسها ما دهاه؟ وهل قتل في المعركة أم فر إلى مكان آخر؟
وفيما هي في ذلك قرع الباب ودخلت خيزران تقول: «قد جئتك بالسيدة هيلانة يا مولاتي.»
فهمت جهان بالوقوف لملاقاتها، فأسرعت هيلانة وأجلستها وجلست إلى جانبها وهي تهش لها وترحب بها كأنها تعرفها من قبل. واستأنست جهان بها وأحست كأنها في قصر أبيها بفرغانة بين أهلها؛ لأنها آنست في وجه تلك المرأة لطفا ومودة وإخلاصا، فضلا عن الجمال. وكانت هيلانة شقراء الشعر زرقاء العينين بيضاء البشرة لا يبارح الابتسام فمها، فابتسمت جهان لها وشكرت تلطفها، فقالت هيلانة وهي تبتسم تشجيعا وإيناسا: «مرحبا بعروس فرغانة، لقد طالما سمعت بجمالك وتعقلك، وقد مضى وقت ونحن في انتظارك.»
فقالت: «ما زلت أحسبني ذاهبة إلى الجحيم حتى رأيتك فخفت المصيبة عني.»
فأحست هيلانة عند سماع صوتها بلذة، وشعرت بجاذب نحوها وكأنها تذكرت بلواها هي، فانقبضت نفسها، وقالت: «هكذا أراد المولى يا حبيبتي، ولو أنك قست بليتك ببلية سواك لهان عليك أمرك. لو عرفت ما فعلوا بي لرأيت أنهم رحموك.»
فسألتها جهان أن تقص حديثها عليها عسى أن يخفف ما بها، فتنهدت هيلانة وقالت: «لا بد أنك عرفت من وجهي وضعف لغتي الفارسية أني غير فارسية، وما أنا تركية ولا أرمنية وإن كنت أخذت من أرمينيا، ولكنني يونانية نشأت في بيت أبي في عمورية، وخطبني بطريق من بطارقة أرمينيا وتزوجني وحملني إلى بلده. ولم أكد أقيم معه عامين حتى بلغ هذا الخرمي خبري (وخفضت صوتها) فبعث يطلبني من زوجي، فلما أباني عليه بعث قوة من رجاله اغتنموا غياب زوجي وحملوني إليه بالقوة فحبسني هنا منذ بضعة أعوام فلا أنا أعرف أين زوجي، ولا ما فعله بعدي. وهو يعرف مقري طبعا ولكنه لا يجد سبيلا إلي. هذا إذا كان لا يزال حيا.» قالت ذلك وشرقت بريقها ثم مسحت دموعها وابتسمت وقالت: «ما قصدت أن أكدرك بهذا الحديث، ولكنني أردت أن أخفف مصابك.»
أما جهان فأعظمت مصيبة هيلانة وهمت بأن تقص عليها حديثها فأرجعها الحياء. فتنهدت وأحبت تغيير الحديث فقالت: «أين هو بابك هذا، وكيف تعيشون هنا؟»
قالت: «إن الرجل يقيم بقصر غير هذا قريب من أسوار هذا البلد، وذلك ليراقب تحصيناته، وهو ينقل من يشاء من نساء هذا القصر إليه لتقيم عنده يوما أو بضعة أيام على ما يتراءى له.»
قالت: «بلغني أنه اليوم في شاغل عن هذا القصر وأهله بأمر ذي بال.»
অজানা পৃষ্ঠা