روكساندرا كوهين
وقفت إلينورا ووضعت الخطابين أمامها على المائدة. ولما كان والدها غائبا، لم يكن هناك سوى شخص واحد في العالم تأمل أن يهدئ طوفان الأسئلة الذي يدور في عقلها. أدارت المقبض وخرجت من المكتبة إلى الممر الذي يضيئه القمر، وبذلت أقصى جهدها كي تهدئ من أفكارها وتركز على المهمة الحالية، فتوقفت ووضعت يدها على صدرها. كان قلبها يخفق بقوة عبر القماش الرقيق لرداء نومها. أخذت نفسا عميقا وصفت ذهنها، وسارت خطوة بخطوة بطول محيط غرفة الطعام تحت ضوء الثريا الخافت مرورا بباب المطبخ.
كان المطبخ باردا خاليا من السجاد، يفوح برائحة زيت الطهي والبصل. وفيما عدا سلسلة من المقليات التي تتدلى من فوق الموقد، لم تكن ثمة أي زخارف تذكر. وفي الجانب البعيد من الغرفة كانت توجد ثلاثة أبواب مثبتة بأدوات حديدية ثقيلة. كانت تعلم أن الباب الذي يقع في الجانب الأيسر يقود إلى ساحة صغيرة بالخارج، والباب الذي يقع في الجانب الأيمن يقود إلى حجرة المؤن، أما الباب الأوسط الذي يعلو البابين الآخرين بارتفاع بضع أصابع فهو يقود إلى جناح الخدم.
انفتح الباب بسهولة كاشفا عن درج خشبي منحدر يتلاشى في ظل ضوء شمعة خافت. صعدت إلينورا الدرجة الأولى محدثة صوت صرير، وأغلق الباب خلفها. وضعت يدها على الدرابزين الحديدي البالي، وصعدت خطوة خطوة إلى ردهة في الأعلى. كان بوسعها أن ترى الآن أن ضوء الشمعة يتسلل من أسفل أحد البابين. أملت بشدة أن تكون تلك غرفة السيدة داماكان، وإن كانت غرفة السيد كروم فسوف تدعي أنها تبحث عمن يساعدها في شأن نسائي. لم تكن تعلم ما هو ذلك الشأن النسائي، ولكنها تعلم أن ذلك سوف يقودها إلى مكان السيدة داماكان دون مزيد من الأسئلة. أخذت إلينورا بضعة أنفاس مكتومة أمام الباب قبل أن تطرقه بهدوء شديد. مرت برهة طويلة، ثم سمعت سعالا وصوت جرجرة قدمين على الأرض، ثم فتح الباب. إنها السيدة داماكان.
صاحت في دهشة وهي تضع يدها على كتف إلينورا: «عزيزتي، ماذا تفعلين هنا؟»
حاولت إلينورا أن تجيب، ولكن طوفانا من المشاعر اجتاحها. بدأ الأمر بنشيج مكتوم وشعور بالاختناق وانفجار في الدموع، ثم شعرت بارتياح يسري في أوصالها بدءا من جوفها مرورا برئتيها وحلقها كما لو كان كائنا بحريا شاحب العينين يبرز إلى سطح الماء أخيرا بعد عقود من سكنى الأعماق. وعندما فتحت فمها، ارتجف جسدها النحيل. ضغط الأسبوعين الماضيين، والنبوءة، والسلطان، وكل الأسئلة التي تراودها، كل ذلك ظهر في صورة انهيار. دفنت إلينورا وجهها في حضن الخادمة العجوز وبكت؛ بكت على والدها ووالدتها وعلى كونستانتسا، وعلى السيدة داماكان وابنة أخيها، وعلى المعاناة التي لم تكن تدر شيئا عنها، ولكن في المقام الأول بكت رثاء لحالها وعلى استبعاد وجودها والشك التام في موقعها في هذا العالم.
وعندما أنهكت قوى إلينورا، جلست فترة طويلة على حافة الفراش تحدق في الشمعة. ظلت السيدة داماكان تضمها وتداعب شعرها وهي تهمس بلغة لا تفهمها إلينورا. وأخيرا اعتدلت إلينورا واعتذرت بصوت خافت.
قالت وهي تمسح دموعها في كم ثوبها: «أنا آسفة، آمل ألا أسبب لك إزعاجا.» «كلا، على الإطلاق.»
نظرت إلينورا إلى يديها التي تختبئ في طيات ثوبها المنزلي. كان وجود السيدة داماكان فحسب كافيا لتهدئتها.
قالت الخادمة العجوز وهي تداعب شعر إلينورا: «إنك طفلة شديدة التميز، وأنت تعلمين هذا، أليس كذلك؟»
অজানা পৃষ্ঠা