نجد أحيانا جمودا في التفكير ووقفة لا نتحرك منها، وفي أكثر الأحيان يرجع ذلك إلى عقدة ذهنية خفيفة غابت عنا، ولكنها اندست واستكنت. والتهيج الخفيف يعيد إلى الذهن حركته، كأن نمشي بسرعة؛ فإن حركة المشي تحدث حركة في الذهن فتتوارد الأفكار، ويتفكك الجمود. (8)
الإرادة تحدث الخيال وتنظمه، كما أن الرغبة في الطعام تحدث خيالات الأطعمة سواء في اليقظة أم في النوم، وإذا تركنا الذهن حرا صارت الخيالات عابثة لا قيمة لها؛ ولذلك يجب أن نسيرها ونوجهها بالإرادة. (9)
الطمأنينة التامة والعواطف المشبعة التي لا تجوع أبدا، كلتاهما تحدث ركودا في التفكير، كأن النفس تقول: «لماذا التفكير؟ كل شيء على خير ما أحب، وليس هناك ما يدعو إلى الجهد.» ولذلك نجد أن الصعوبات والتوترات تثير التفكير، والاختراع الذي يكثر مدة الحروب يرجع إلى القلق الذي تحدثه، وقد عزي الجمود الأدبي في عصر الملكة فيكتوريا في إنجلترا إلى النجاح المالي المستمر؛ لأن الطمأنينة المالية التامة حالت دون التفكير، وهذا حق، ونحن في حاجة دائمة إلى قليل من القلق نتذبذب به ونصحو ونتنبه.
الاتجاه الذاتي والاتجاه الموضوعي
كثيرا ما نرى أن الاتجاه السلوكي يعين لنا نوع الكفاءة الذهنية أو يكاد، ونحن نختلف في اتجاهنا باختلاف الحرفة التي تمارس فتختلف بذلك أنواع الكفاءة الذهنية، ولا عبرة بأن يقال: إن ذكاءنا - مثل طول قامتنا أو لون بشرتنا - موروث محدود؛ فإن الحياة النفسية والفكرية للفلاح تختلف مما هي عند المحامي أو المهندس، كما تختلف عند هذين مما هي عند الكاهن المسيحي أو الفقيه المسلم.
وأحيانا نجد عند أحد الناس اتجاها استبشاريا بالدنيا، أو اتجاها تشاؤميا أو اتجاها انبساطيا مزاجيا، أو اتجاها تسلطيا عدوانيا، وهذه الاتجاهات تعين الحياة النفسية والفكرية لكل منهم، حتى التفكير يجد حدودا أو أمدادا تحده أو تمده.
ولكن هناك اتجاهين نفسيين لكل منهما قيمة كبيرة، بل كبيرة جدا في الحياة النفسية لكل منا؛ وهما الاتجاه الذاتي حين يكون بؤرة نشاطي ذاتيا «أنا»، والاتجاه الموضوعي حين يكون بؤرة نشاطي العمل الذي أعمله. وبالطبع ليس هناك إنسان ذاتي مائة في المائة إلا إذا كان في المارستان مجنونا كاملا لا غش فيه. وليس هناك إنسان موضوعيا مائة في المائة، إلا إذا كان أرسطوطاليس أو أفلاطون. ولكن هناك من تغلب عليه الذاتية، وهناك من تغلب عليه الموضوعية.
الذاتي، إذا كان مهندسا قد قام ببناء منزل حسن، يقول: أنا نجحت، وإذا لم يكن البناء حسنا فإنه يقول: أنا فشلت.
الموضوعي، إذا كان مهندسا قد قام ببناء منزل حسن، يقول: هذا المنزل حسن، وإذا لم يكن البناء حسنا فإنه يقول: هذا البناء غير حسن.
الذاتي يحزن كثيرا؛ لأنه يجعل الحسن والسوء في البناء حسنا وسوءا في ذاته؛ في نفسه. والموضوعي لا يحزن؛ لأن الحسن والسوء خارجان عنه؛ أي: في الشيء الذي صنعه، الذاتي ينظر نظرة نفسية، والموضوعي ينظر نظرة موضوعية.
অজানা পৃষ্ঠা