التفكير عام يشملنا نحن والحيوان، ولكن الذكاء خاص يكاد يقتصر علينا؛ فإن تحرك العواطف يؤدي إلى تفكير؛ أي: إلى نشاط ذهني، حين ينزع الحيوان للبحث عن الأنثى أو الطعام، ونحن - حين نشتهي - نفكر كالحيوان، فتبعثنا العاطفة مثلا على التفكير في الجنس الآخر.
ولكن هذا التفكير العاطفي هو أحط أنواع التفكير عندنا، ونحن حين ننساق في عاطفة ملتهبة لا نكاد نحس أننا نفكر؛ ولذلك ينصح للغاضب أن يعد مائة قبل أن يرتئي أو يحكم؛ لأن عاطفة الغضب تتسلط على وجدانه وتعطل ذكاءه.
ولكن هذا التفكير العاطفي المعطل للذكاء هو التفكير العام بين جميع الناس تقريبا، أما الوجدان الذي يؤدي إلى الذكاء بالمنطق والتبصر فقليل جدا؛ ومن هنا تعس الناس.
انظر إلى طبيب وصل - بعد أن وزن جسمه وقدر حالته الصحية - إلى الرأي بأنه يجب أن يتوقى النشويات في الطعام، فهذا هو وجدان؛ أي: منطق وتعقل ووزن للأشياء كما هي تقريبا في حقيقتها، ولكنه يقعد إلى المائدة فتحدث حركة انعكاسية بتحرك لعابه عند رؤية المكرونة، فتثار عاطفة الجوع فيغيب وجدانه ويهجم على المكرونة، ولكنه بعد أربع أو خمس ساعات يتذكر هذا الخطأ ويجدد العزم على تجنب النشويات.
أو انظر إلى أب يعرف قيمة الرقة والملاطفة والعدل مع الأطفال، يرى ابنه يلعب ولا يدرس، فيغضب وتلهب عاطفة الغضب، فينهره ويضربه، فهو هنا أخمد وجدانه وترك التعقل والاحتيال والروية وأحيا عاطفته.
كان سقراط يقول: «إن المعرفة تؤدي إلى الحكمة»، ولكن هذا خطأ، لأن المعرفة مع العاطفة تؤدي في أحيان كثيرة إلى الإجرام.
ولكن المعرفة مع الوجدان تؤدي إلى الحكمة.
حين نسلك سلوك العاطفة نكون حيوانات - نرى الأشياء رؤية ذاتية كما تصورها عاطفتنا، ونحكم ونحن منفعلون.
وحين نسلك سلوك الوجدان نكون حكماء - نرى الأشياء رؤية موضوعية كما يصورها المنطق والواقع؛ أي: كما هي تقريبا في الحقيقة، ونحكم ونحن متعقلون.
انظر إلى شاب ينوي الزواج ويعتمد على عاطفته الجنسية فقط، فهو هنا ليس بينه وبين الحمار أي فرق؛ إذ هو يلتفت إلى حمرة وجنتيها، أو إلى ابتسامتها، أو إلى توأمي صدرها البارزين، أو إلى أن كلماتها رخيمة، أو إلى أنها تشبه أمه أيام رضاعه؛ حين كان يظن أن ليس في الدنيا أجمل من أمه، فهو هنا عاطفي، والصورة التي في ذهنه عن هذه الفتاة قد صورها هو لنفسه كما يحب أن يراها، وليس كما هي في الواقع.
অজানা পৃষ্ঠা