58

কান চামড়

عن عمد … اسمع تسمع‎

জনগুলি

وفي اللحظة هذه تتزاحم في رأسي آلاف الأفكار والخواطر والانطباعات، وأنا لا أريد الحديث في هذه اللحظة عن أوروبا ولا عن الحضارة؛ فمشكلتي الأولى ليس ما أتحدث به، ولكن إلى من أتحدث.

لكي أعرف إلى من أتحدث لا بد أن أعود إلى موقفنا من الحضارة الأوروبية، حيث وقفنا منها بعد ثورة 23 يوليو موقف العداء؛ لأن أوروبا كدول وحكومات ونظام رأسمالي بشع كانت قد وقفت منا موقف العداء؛ العداء الواضح الصريح الذي تركز في عدوان 56، ثم كشف عن أنيابه في فخ 67. وقد فعلنا هذا كضرورة حتمية من ضرورات الدفاع عن النفس.

أجل، لقد وجدنا أنفسنا - ومنذ ظهور إسرائيل كقوة عدوانية على المسرح العربي في حادثة الإغارة على غزة عام 54 - في حالة دفاع قصوى عن النفس.

وأيضا لأني أقتصر في حديثي على الجانب الفكري والحضاري، لن أتطرق إلى ما قمنا به في المجالات الأخرى من جيش وصناعة وإجراءات ثورية بكل ما حفلت به من تجارب وأخطاء، وما حفلت به من طليعية واقتحام لطريق لم يسبقنا له أحد، وكان بمثابة الريادة لعالم ثالث يتطلع مثلنا إلى الدفاع عن النفس وحيز من الوجود تحت الشمس.

وفي حياة كل أمة تأتي فترة لا بد أن تنغلق فيها هذه الأمة على ذاتها؛ كي تنضج شخصيتها القومية ويتضح تفردها وتعرف من هي وماذا لديها. هكذا فعلت روسيا بعد ثورة 17، وهكذا فعلت الصين بعد نجاح ثورتها. ولكن مجرد الانغلاق على الذات لا يكفي؛ إذ المهم هو ماذا نفعل بأنفسنا بعد الانغلاق على ذواتنا؟ ما موقفنا من ثقافتنا الوطنية؟ ما موقفنا من طرق تعليمنا؟

باختصار: أي الأفكار تسود بعد قفل الأبواب؟

وإذا راجعنا ما حدث خلال عشرين عاما من عمر الثورة المصرية الفتية، فإننا سنجد أشياء كثيرة لا بد أن نعيد فيها النظر.

ذلك أن هناك قانونا أساسيا من قوانين الوجود والبقاء: ما لم تتقدم إلى الأمام فإنك لا تتوقف، إنك دائما تعود إلى الخلف.

ولقد كانت ثورتنا تحمل في مكوناتها أهدافا تقدمية رائعة.

ومن يراجع الخريطة السياسية للشرق الأوسط يجد أن الثورة حين قامت في 23 يوليو كانت ليبيا وتونس والجزائر ومراكش في الغرب محتلة، وكانت الكويت وإمارات الخليج واليمن والعراق والسعودية والسودان إما محتلة أو خاضعة لنفوذ أجنبي تماما، بل إن مصر نفسها كانت تحتلها القوات البريطانية.

অজানা পৃষ্ঠা