والآن هو يريني الجرح، كان شيئا مهولا خارقا للعادة؛ كان عمق الجرح لا يقل عن عشرة سنتيمترات داخل الجمجمة، أمامي كان يدخل الشفاط فيه لعمق عشرة سنتيمترات ولا يأتي لآخره. وكان كم هائل من النزيف قد تكون خارج «الأم الجافية» هذا صحيح، ولكنه كان يضغط بشدة ويكاد يخنق المخ بكل وظائفه.
المهم أنه بحذق ليس غريبا على البنهاوي تم شفط النزيف والورم الدموي، وبعد يوم واحد كان المريض قد شفي من الشلل النصفي وجلس، ثم تحرك، ثم عاد طبيعيا تماما، وكأن شيئا لم يكن.
أذكر هذا كله لسبب غريب، فقبل أقل من 15 عاما كانت هذه الإصابة تعتبر قاتلة؛ إذ لم يكن الإنسان قد جرؤ بعد على ولوج ذلك الصندوق الرهيب المغلق؛ صندوق المخ. الآن هي لا تعالج فقط ولكن المريض بعدها يعود عاديا تماما كما رأينا.
الحقيقة أنه بعد العملية جلست وحيدا في غرفة ملابس الأطباء يكاد الدم يطفر من عيني. هذه مهنة واضحة سريعة الفائدة سريعة المفعول. هذا هو إنسان كان مشرفا على الموت تماما وإذا به الآن وبمبضع الجراح قد عاد إلى حالته سليما معافى.
والآن تلك الكتابة التي أزاولها، ترى هل باستطاعتها أن تعطي نتيجة مرضية لصاحبها تماما كما رأيت النتيجة الآن، أم هي أحيانا كالأذان في مالطة تتساءل دوما عنه وترى هل يسمعه أحد؟ أقول هذا الكلام لأن المضحك أن الصديق أحمد البنهاوي حاول منذ بضع سنوات أن يكتب القصص وقد كتب فعلا أشياء جميلة، ولكن من حسن حظ مرضاه ومن حسن حظ الطب أنها لم تطلع في رأسه ويتخذها هواية دائمة أو حرفة.
أيها المنعمون بالنتائج الحية الملموسة لأعمالكم، وخاصة إذا كانت النتيجة هي إعادة الحياة إلى جسد دخل فعلا منطقة الموت، تحية لكم وعزاء لنا.
ليلة العيد
إلى الساعة الحادية عشرة من مساء يوم الاثنين 12 سبتمبر، وثمة 40 مليون مصري ومائة مليون عربي أو أقل أو أكثر ينتظرون إشارة من مجلس القضاء في المملكة العربية السعودية أو دار الإفتاء في القاهرة، بحلول أو عدم حلول عيد الفطر المبارك في اليوم التالي. الجيران يسألون بعضهم بعضا إن كانوا قد سمعوا، التليفونات تتساءل، دور الصحف ليس لديها أي أخبار، والكل في حالة قلق غريب غير معقول، هل يحضرون السحور؟ هل يستعدون غدا للعيد؟ هل يسافرون؟ هل ينامون على عمل في اليوم التالي أو على إجازة؟ مئات «الهلات» التي تنتظر «الهلال».
وهذه ليست المرة الأولى التي يكتب فيها هذا الكلام، وهذه ليست المرة الأولى التي تخوض فيها الصحف في الموضوع أو يدور النقاش حول الأخذ بمبدأ الرؤية العينية لهلال شوال أو هلال رمضان أو مبدأ الحساب الفلكي، ولكن أريد أن أقول كلاما أرجو أن يكون بسيطا جديدا. فيوم الأحد الماضي قرأت في صحفنا أن مجلس القضاء في السعودية أصدر بيانا ناشد فيه المواطنين أن يبلغوا المجلس فورا إذا «رأى» أحدهم هلال شوال، أخذا بالمبدأ القائل بضرورة ثبوت الرؤية بالعين المجردة. ولقد ثبت لنا الآن علميا أن العين ليست «مجردة» وأنها مكونة من عدسة وقرنية وسائل وشبكية ... إلى آخر مكونات العين، وأن كثيرين من الناس يستعملون النظارات لتصحيح قوة عدسة العين، فهل تعتبر العين التي تستعمل النظارة مثلا عينا «مجردة» أم هي عين تستعمل العلم الحديث وقوانين الضوء والعدسات لتصحيح ما فيها من خطأ؟
أعتقد أن مجلس القضاء إذا جاءه شاهد أو شاهدان يقولان إنهما رأيا هلال رمضان أو شوال رؤية العين وكانا يرتديان نظارات، سيأخذ بالقطع بكلامهما ويعتبر رؤيتهما للهلال شرعية.
অজানা পৃষ্ঠা